مدحت بشاي
لعل حتمية التغيير وضرورته هو الأمل المنشود في فترات انتقال الشعوب  من حال إلى حال في زمن المراحل الانتقالية ، ويتميز التغيير الحتميي، أو التغيير الذي لا بد منه في حياة الإنسان أن لا تبقى الأشياء على حالها لفترة زمنية طويلة؛ لأنه من الضروري أن تتغير نحو الأفضل، حتى لا يؤدي عدم تغييرها إلى زوالها مع الوقت ، والتغيير ضرورة كوسيلة من وسائل الارتقاء نحو الأفضل ..

وعليه ، أعتقد أنه لابد من توافر الإرادة السياسية للتغيير والإبداع من جانب متخذ القرار في الأوطان التي ينشد الناس فيها الحصول على حقوق " المواطنة الكاملة " ، أما أمر الاكتفاء بصياغة النظريات وفلسفات برامج للعمل الوطني والسياسي دون وضع ضمانات العمل بها بنجاح على الأرض ، فستبقى شعارات جوفاء لمرحلة تاريخية تضيع على الناس فرص تحقيق أي نمو إنساني حقيقي ..

 وهل ننسى برامج الحزب الوطني الديمقراطي ( الحزب الحاكم لنظام أسقطه الشعب ) ، والتي ولو كانوا كلفوا خاطرهم وعملوا بأي من سطورها على مدى ربع قرن لكنا في حال غير الحال ..مكتوب في برامج الحزب ــ على سبيل المثال ــ حول ضرورة تفعيل سبل المواطنة " يتمتع كل مواطن بالحق فى التفكير والإبداع والتعبير عن رأيه ونشره ونقله للآخرين من خلال وسائل التعبير الملائمة وفى حدود القانون، ويعكس هذا الحق المظهر الحضاري للدولة ، وهو يعنى أن من حق كل مواطن أن يكون له رأى فى كل ما يجرى من أحداث داخل الدولة وأن يعلن هذا الرأي على الآخرين .. وقد أكد الدستور المصري على ما تقدم حيث اعتبر أن حرية الرأى مكفولة ، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون (المادة 47) .. " ، وأترك للقارئ التفضل بالنظر في بديع التنظير وغياب التطبيق !!

لقد طالعتنا وكالات الأنباء والعديد من مواقع الإنترنت بصور وتعليقات حول خبر نشر إعلان تم إعداده على شكل لافتات ضخمة مثبتة على أكثر من 800 حافلة تجوب شوارع لندن يحمل عبارة واحدة " الله قد لا يكون موجوداً ، كفوا عن القلق وتمتعوا بحياتكم " .. وهي عبارة بالطبع لا تنطلق إلا من بشر ملحد يحمل دعوة كافرة بوجود الله حتى لو أضاف للعبارة " قد " عبر تشكيك غير مقبول من أي مؤمن ينتسب إلى أي دين أو عقيدة ، بل هي تحمل رسالة أكثر كفراً وبشاعة عبر تصوير أن الحياة بعيداً عن الله العلي القدير يمكن أن تكون ـ وحاشا لله ـ ممتعة وكأننا أمام صوت الشيطان متجسداً في لافتات تجوب العاصمة البريطانية ليل نهار .. ورغم رفضي ورفضك عزيزي القارئ للعبارة وناشروها وممولوها حتى لو كان هناك إدعاء بأن تلك الفعلة الشريرة جاءت بدعوى العمل على فصل الكنيسة عن الدولة في بريطانيا ، وأنهم يدعون أنها مجرد عبارة تثير الابتسام وكأنها بمثابة دُعابة ..فإنه أمر بشع وممجوج ، ولكن دعونا  تتأمل ردود الفعل في الشارع الانكليزي كما ورد في الخبر .. تتحرك 800 جمعية مسيحية ستلحقها حتماً جمعيات إسلامية للمطالبة بمنع هذه الإعلانات التي تنفي وجود الله ، وتتلقى هيئة مراقبة الإعلانات دعاوى بلغ عددها 110 دعوة سيتم نظرها في القريب العاجل .. وإن كان هناك رأي للبعض مثل الكاهن الميثودست " ستيفن غرين " الذي قال أنه أمر جيد للنقاش حول المسائل الكبرى في الوجود ، أما الجمعية الإنسانية البريطانية التي ساهمت في تمويل تلك الحملة الإعلانية فيقول ممثلوها أنهم يشفقون على هيئة مراقبة الإعلانات التي ستضطر إلى إصدار حكم في ما إذا كان الله موجوداً أم لا !!

هكذا كان رد الفعل في بلاد الفرنجة أما في بلاد الشرق السعيد فإن رجال الدين المسيحي ومساعديهم  في الزمن المباركي قد تنادوا بسرعة لإعلان غضبهم العارم في مظاهرة تذهب إلى الكاتدرائية والتأكيد على رفضهم  لإنتاج وعرض فيلم " بحب السيما " واعتبروه إساءة مباشرة للعقيدة المسيحية ، وعبر حالة غضب غير مسبوقة تم ـ للأسف ــ الاستجابة وإيقاف عرض فيلم بديع ينادي بالتسامح والحب و ضرورة الاقتراب من أطفالنا وتصويب الخطاب الديني والروحي .. قالوا بغير مشاهدة .. لم يفهموا الفرق بين الرسالة المسيئة والرسالة الداعمة للعقيدة وتقريبها للعباد عبر الوسائط الإبداعية ..حتى أنهم لم يدركوا معنى الآية " اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَيَزُولُ". وكأنما يوجهون رسالة عكسية مفادها أن من شأن فيلم يعرض في دار الخيالة  أن يؤثر على مسار وعقيدة دينية اعتنقها الملايين عبر العالم وعاشت قرونًا من الزمان !! ..

و في نفس الفترة على وجه التقريب طالعتنا أيضاً الأخبار بقرار إهدار زعيم الجماعة السلفية " أبو مصعب عبد الودود " لدم الفنان عادل إمام  بسبب انتقاده لحركة حماس ، وأكد في بيان تم تداوله عبر مواقع إلكترونية ..جاء فيه " في ظل هذا المصاب الجلل الذي تعيشه أرض الرباط في غزة يحلو لبعض المشركين والكفار الاستهزاء بدم الشهداء من الأطفال والنساء والمرابطين في سبيل الله وقد فعلها المرتد الكافر عادل إمام وقد استحق هدر دمه"!.. ووصفت مواقع إسلامية في الجزائر والمغرب وفرنسا عادل إمام "بالزنديق والكافر والمرتد" على خلفية اتهامه لحركة حماس بالتسبب فيما يتعرض له سكان قطاع غزة واستهزائه بالشعوب العربية التي خرجت للتظاهر مناصرة لسكان غزة.. مرة أخرى نتابع رد فعل عجيب ومشين .. يحدث هذا رغم تأكيد الفنان أنه مع المقاومة الفلسطينية ومع الحق في الدفاع عن الأرض ضد المحتل بكل الطرق، وهو الحق الذي لا يمكن أن يتوافر بغير اتحاد كل الفصائل والقوى الفلسطينية، وبينهم أصدقاء له من فصائل مختلفة، يوجه لهم النداء لكي يتحدوا وينسوا كل الخلافات، وعليهم توحيد صفوفهم حتى تصبح قوتهم مؤثرة في وجه الاحتلال..

      بعيدا عن كل وصاية ، نود أن نعيش المواطنة الحقة التي تحركنا نحو التدافع من أجل تحقيق الغايات الإنسانية والنفع العام والسعي في دروب التطور الاجتماعي التاريخي ..لابد أن نفيق فالتاريخ لايرحم أهل الغفلة ولا يتوقف عند من تغافلوا ..

medhatbeshay9@gmail.com