كسوف الشمس وخسوف القمر من أهم الأحداث التي ينتظرها هواة التصوير الفلكي، وترجع أقدم المحاولات لتصوير الكسوف الكلي للشمس إلى الساحر البريطاني الذي تحول إلى صانع أفلام فيما بعد، جون نيفيل ماسكيلين، في العام 1898، عندما سافر إلى الهند لتصوير الحدث إلا أن الفيلم سُرق منه، ومصيره غير معروف.

 
يكرر ماسكيلين محاولته في الثامن والعشرون من مايو عام 1900، ويقوم بتصوير ما يعتبر اليوم أول فيلم يصور ظاهرة الكسوف الكلي للشمس، خلال رحلة الجمعية الملكية للفلك بلندن (RAS)، إلى ولاية كارولاينا الشمالية.
 
الفيلم أيضًا هو جزء من أرشيف الجمعية الملكية للفلك، ومؤخرًا تم إتاحة الفيلم للعرض بعد أن تم ترميمه بعناية، من قبل المتخصصين في معهد الفيلم البريطاني (BFI)، واستخراجه بجودة «4k».
 
كان انتقال ماسكيلين من عالم السحر إلى صناعة الأفلام منطقيًا، حيث كنا ما نزال في العصر الفيكتوري، وفي ذلك الوقت، اختلط العلم والسحر والخوارق معًا في أذهان الكثيرين، ولم يكن ماسكيلين هو الساحر الوحيد الذي تحول إلى صانع أفلام في تلك الحقبة، فقد صنع بعض السحرة أفلامًا "سحرية" كجزء من عروضهم المسرحية، وكان هناك الكثير من المشعوذين آنذاك، يحاولون تصوير عوالم الأرواح، واستحضار الموتى وغيرها من خرافات.
 
لكن ماسكيلين كان مختلفًا بحق عن هؤلاء، لقد كان ساحرًا محترفًا وعضوًا في «The Magic Circle»، وهي منظمة بريطانية مكرسة لفن الوهم والسحر والترفيه (هناك جائزة تمنح باسمه)، إلا أن ذلك لم يكن فقط ما جعله مختلفًا لقد كان لديه أيضًا إيمان قوي بالعلم، وحاول بالفعل كشف الاحتيال، أسس لجنة السحر، وهي مجموعة مخصصة لفضح الاحتيال، حتى أنه ساهم فيما يعد أول عملية اختراق في التاريخ، في عام 1903، حيث كان الفيزيائي جون أمبروز فلمنج يستعد لعرض تكنولوجيا التلغراف اللاسلكي بعيد المدى، التي ابتكرها الإيطالي جوليلمو ماركوني، لإثبات أن رسائل شفرة مورس يمكن إرسالها لاسلكيًا عبر مسافات طويلة، وكان الحدث منظما أمام جمهور غفير في قاعة محاضرات المعهد الملكي الشهيرة بلندن لمشاهدة تلك الأعجوبة.
 
وقبل بدء العرض بقليل، بدأ الجهاز بالنقر، مكونًا رسالة بدأت أحرفها بالظهور، وتحولت إلى قصيدة ساخرة بشكل غير لائق تتهم ماركوني بخداع الجمهور، وكان المخترق هو الساحر والمخترع البريطاني نيفيل ماسكيلين الذي قال لصحيفة «تايمز» إن هدفه كان كشف الثغرات الأمنية من أجل الصالح العام.
 
أثبت ماسكيلين أنه مختلف من خلال عمله على التقاط الأحداث الفلكية مع جمعية الفلك الملكية، وكان تصويره للكسوف مهمة صعبة حيث كان عليه بناء محول تلسكوبي خاص للكاميرا للقيام بهذه المهمة، التي كانت بالنسبة له نوع من المرح الذي قام به وحده وفقًا لجمعية الفلك الملكية.
 
وقالت بريوني ديكسون، منسقة الأفلام الصامتة في المعهد: "الفيلم ، مثل السحر يجمع بين الفن والعلوم، هذه قصة السحر والفن والعلوم والسينما والخطوط غير الواضحة بينهما، لقد كان مؤرخو الأفلام الأوائل يبحثون عن هذا الفيلم لسنوات عديدة، ومن المثير التوقف عند حقيقة أن هذا هو الفيلم الوحيد المعروف الذي نجا من مجموعة أفلام ماسكيلين، قد ظهر الآن".
 
وأضافت في بيان صحفي: "أراد ماسكيلين إظهار الحداثة في مسرحه السحري، هل يوجد ما هو أفضل من الظواهر الطبيعية لتثير الإعجاب!".
 
ويشير الدكتور جوشوا نال، رئيس لجنة التراث الفلكي في الجمعية إلى أن "الفيلم ربما يكون هو أقدم الأفلام الفلكية التي نجت إلى اليوم، إنه سجل رائع ولافت للنظر لكل من السينما المبكرة، ومراقبة الكسوف الفيكتوري المتأخر، ومن الرائع أنه سيكون متاحًا لأي شخص لعرضه مجانًا كجزء من مجموعته من السينما الفيكتورية".
 
وفقًا لجمعية الفلك الملكية فقد كان ماسكيلين مثل كثيرين في العصر الفيكتوري، يعتقد في نفسه أنه محقق علمي، كان مهتمًا بالخيال والعوالم الروحية والظواهر الأخرى المختلفة، ولكنه كان مفتونًا أيضًا بعلم الفلك، وأدى هذا إلى أن يصبح عضوًا في الجمعية الفلكية الملكية، التي أدركت في وقت مبكر أن التصوير الفلكي كان مهمًا، لتشكل في عام 1887 لجنة دائمة للعمل على مجموعه الصور الفلكية المتزايدة والتي كان هذا الفيلم جزءًا منها.