د. مينا ملاك عازر
تسقط الأنظمة بالثورات أو بالانقلابات، والثورات الناجحة فقط هي التي تصر على إسقاط النظام حتى جذوره، وتختار من يقوم مقامه حتى تختار بشكل ديمقراطي من يحل محله، وتبدأ مسألة تداول السلطة وليس حسداً للأخوة السودانيين فهم اقتلعوا النظام رأسه، ولما حاول أن يبقي على ذنبه قرروا قطعه، هم يرفضون حتى الرجل الثالث، يحاولون الإطاحة به، ولولا أنه له ماضي جيد معهم، وتفاوضي متميز معهم وقت أن كانوا معتصمين، لذا يقبلونه. 
 
لا أعرف، لماذا الرؤساء العرب يتركون وراءهم رجالهم والذين غالباً ما يكونون من العسكريين ليحكموا، هنا تكمن المفارقة كل رجال الدولة هم رجال النظام السابق، خاصة إذا كان نظام ديكتاتوري، فحتى أبسط الرجال يكونون اختيار الرأس الكبيرة، والرأس الكبيرة تبقي وراءها متى اقتطعت أذنابها يلعبون وينمون ليشكلوا نظام أنكى وأنكى، تعلم من أخطاء النظام السابق الذي سقط فيكون أشد قسوة وضراوة، وهو ينتقم لصانعيه القدامى من مسقطيه، كما أنه يكون أشد فتكاً بالشعب الذي يعتبره عدو، ويقلق منه، فهو لا يأمن جانبه.
 
السودانيون فعلوها، وأصروا على الإطاحة ليس فقط بالبشير ولكن أيضاً ببن عوف نائبه الذي حاول أن يكمل مسيرته، لكنه لم يصمد أكثر من أربع وعشرين ساعة وسقط، لكنني وبخبراتي المسبقة فالأنظمة تبقى تحت جلود الرجال حتى الصف الرابع وربما الخامس بنفس الفساد والديكتاتورية والطغيان يتلونون ربما، ولكن في قرارة أنفسهم يسعون للانتقام، فيزيدون الشعب فقراً على فقره، ويزيدون تنكيلاً على ما تجرعه من تنكيل، وكله باسم الوطنية وادعاء الحفاظ على الوطن. 
 
الجزائريون يحاولون أن يتبعوا النسق السوداني لكنهم للآن لا يستطيعوا، فالنظام يتمسك بالدستور، وليست المشكلة أبداً في دستور، فالأنظمة الديكتاتورية تصنع دساتير جيدة ثم تتغاضى عن تنفيذها ثم تعدلها ثم تدعي أنها بحاجة لصنع دستور جديد، فتصنع ما هو أنكى من كل الدساتير الديكتاتورية التي أسقطها الشعب فيما سبق، ما دامت سلطتهم استتبت.
 
لا أحد يفتح جرح ويتركه على صديده وتلوثه، فيغلق على تلك القاذورات، فيكون أشد فتكا من ذي قبل، السودانيون والجزائريون يحاولون أن ينظفوا جرحهم للنهاية لألا يترك خراج فيستعصى علاجه ويستحيل، ويصعب البتر، ويكون أكثر ألماً، فهل تنجح طريقهم يا الله لألا يصبحوا كدول أخرى أكثر عراقة منهم في مجال الثورات؟ لكنهم في كل مرة يثورون يستبدلون نظام أكثر سوء مما سابقه أو لا ينظفون الجرح، وفي آخر ثوراتهم لم يعرفوا حماية دستورهم، افتخروا به، وكانت دعايتهم له أكثر من دعايتهم لثورتهم.
المختصر المفيد احسنوا اقتلاع أنظمتكم وإلا ....