طارق الشناوي
جاءنى رد من رئيس الرقابة على المصنفات الفنية د. خالد عبدالجليل على مقال (وكل من له نبى يصلى عليه) يؤكد أن الرقابة أجازت مشهد تقبيل محمد إمام للإنجيل في مسلسل (هوجان)، وأن القناة الفضائية المصرية هي التي تتحمل مسؤولية الحذف، والدليل أن فضائيات عربية أجازت العرض، استنادا إلى موافقة الرقابة المصرية.

وبرغم أننى ذكرت ذلك صراحة في المقال ولم أقل أبدا إن الرقابة المصرية هي الفاعل بل مفعولا به، وأشرت إلى أن الفضائية هي التي اعترضت، إلا أن الرقيب قال لى إن الناس تعتقد أن الرقابة هي الجهة التي توافق أو تمنع، ولهذا صار عند البعض متهما بأنه يمارس دوره بقسوة وعنف وغلظة، وأحيانا حتى بلا دراية بمشاعر ولا موروثات المصريين، وأنه شخصيا يرى أن الضمير الجمعى المصرى في نقائه وشفافيته ولا يزال مؤمنا بالمقولة الشهيرة (موسى نبى، عيسى نبى، محمد نبى، وكل من له نبى يصلى عليه)، والدليل أن في موالد المسلمين تجد أقباطا يطلبون البركة، وفى موالد الأقباط مسلمون يبحثون عن الشفاء من المرض العضال طبقا للطقس الكنسى، البنية الاجتماعية للمصرى لم تغادر شاطئ السماحة والتسامح، نعم هناك بعض الممارسات التي ربما تُشير في جانب منها إلى تغيير ما، إلا أنها تعتبر الاستثناء الذي يؤكد القاعدة وهى (كل من له نبى يصلى عليه).

انتهت رسالة رئيس الرقابة، وبرغم أنه لا أحد يدافع عن الرقابة، إلا أننا صرنا نسعى لكى تعود إلى سابق عهدها وتمارس دورها باعتبارها هي فقط صاحبة الكلمة العليا والوحيدة في المنع أو الإجازة.

تعددت الجهات الرقابية، وصار لدينا كيانات أخرى، مثل المجلس الأعلى للإعلام بما يمارسه من تهديد بفرض عقوبات، وعدد من المجالس القومية والمتخصصة مثل الأمومة والطفولة والمرأة، وغيرها وأيضا مؤسسات مثل مكافحة الإدمان يتدخلون بالرصد والمطالبة بالمصادرة.

جهاز الرقابة طبقا للقانون الصادر عام 54 صار تابعا لوزارة الثقافة، أي أن وزير الثقافة هو الرقيب الأعلى، كان قبل ذلك الجهاز تابعا لوزارة الداخلية، ومنذ ذلك التاريخ وهو الجهة الوحيدة التي تملك حق العرض أو المنع، وقبل نحو أربع أو خمس سنوات تم إصدار قرار التصنيف العمرى، الذي يتيح أيضا لجهاز الرقابة وضع معايير سنية للعروض تبدأ من العام وصولا إلى فوق 18، وبرغم أننى أرى أن الرقابة بتكوينها الحالى غير مؤهلة موضوعيا لممارسة هذا الدور لأنه ينبغى أن تضم إلى صفوفها متخصصين في علم الاجتماع والنفس، الفلسفة الحقيقية لإقرار التصنيف العمرى عالميا، قبل نحو 60 عاما، هي أنه ينتقل المواطن من رقابة الدولة إلى رقابة الشخصية، صار كل إنسان هو المنوط به الاختيار، والكرة في ملعبك أنت. ويبقى سؤال هل المواطن في عالمنا العربى، ومصر تحديدا، يريد حقا ممارسة هذا الحق وتحمل المسؤولية الاجتماعية وزرع ثقافة الاختيار لدى أبنائه؟، إجابتى هي مع الأسف لا، لا نزال نميل إلى عودة الدولة للمنع من المنبع مباشرة، والكل يريد أن يستريح وتمارس الدولة بالنيابة عنه هذا الدور، في انتقاء ما يصلح واستبعاد ما لا يجوز تداوله، المأزق في تعدد الأجهزة الرقابية أدى إلى خلل في المعايير واختلاط الشخصى بالموضوعى، وهذا هو خطر فوضى الرقابة الذي نعيشه الآن!!.
نقلا عن المصرى اليوم