رسالة من الكنيسة المصرية 

جمال رشدي يكتب
كلاكيت ملايين المرات ، أغمز قلمي من محبرة عمق التاريخ المصري وأقول أن الكنيسة المصرية ليست كيان روحي تعليمي فقط . الكنيسة المصرية يا سادة هي موروث الحضارة والتاريخ المصري بما يعني إنها وريثة الإمبراطورية المصرية القديمة في كل شموخها وعظمتها وقوتها وثقافتها وعلومها ، تلك الإمبراطورية ما زلت تغذي العالم بالعلوم والمعرفة وما زال العالم يقف حائرا متحيرا أمام طلاسم عظمتها.
 
الامر ليس كما يتصوره البعض في تناول تغيير مورثات تلك الكنيسة، تحت مسمي الإصلاح والوحدة والمحبة فكل أركان الثقافة الكنسية من اصوام وأعياد وصلوات مرتبط ارتباط جذري بموروث حضاري عظيم وقديم، والاقتراب من هذا الموروث يعني التعدي السافر علي ثوابت ثقافية وتاريخية وروحية لن يقبل بها الشعب أو أباء الكنيسة.
 
فعلي من يدلي بأي تصاريح بخصوص تلك الأركان الروحية والثقافية، لابد إن يكون علي معرفة وإدراك واطلاع تام بعمق كنيستنا التاريخي فالأمر ليس بتلك البساطة، وتهويل التعاطي معها وفي كل الأحوال اطلب من المجمع المقدس عدم مناقشة ذلك الأمر البتة.
 
أعياد الكنيسة مرتبط بثقافة الحياة المصرية الروحية والفلكلورية والتاريخية، عبر مراحل تاريخ الدولة المصرية واليكم نبذة مبسطة توضح ارتباط تلك الأعياد بالفلكلور والثقافة الروحية والتاريخية المصرية .
 
عيد الميلاد (الكريسماس): 7 يناير أم 25 ديسمبر؟
يحتفل الأقباط بعيد الميلاد يوم 29 كيهك حسب التقويم القبطي. وكان هذا اليوم يوافق 25 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام حسب التقويم الروماني الذي سمى بعد ذلك بالميلادي , ولقد تحدد عيد ميلاد المسيح يوم 29 كيهك الموافق 25 ديسمبر وذلك في مجمع نيقية عام 325 م. حيث يكون عيد ميلاد المسيح في أطول ليلة وأقصر نهار (فلكياً) والتي يبدأ بعدها الليل القصير و النهار في الزيادة, إذ بميلاد المسيح (نور العالم) يبدأ الليل في النقصان والنهار (النور) في الزيادة. لكن في عام 1582 م.
 
أيام البابا جريجورى بابا روما، لاحظ العلماء أن يوم 25 ديسمبر (عيد الميلاد) ليس في موضعه أي أنه لا يقع في أطول ليلة وأقصر نهار، بل وجدوا الفرق عشرة أيام. أي يجب تقديم 25 ديسمبر بمقدار عشرة أيام حتى يقع في أطول ليل وأقصر نهار، وعرف العلماء أن سبب ذلك هو الخطأ في حساب طول السنة (السنة= دورة كاملة للأرض حول الشمس) إذ كانت السنة في التقويم الروماني (اليولياني ) نسبة إلي يوليوس قيصر الذي فرضه سنة 46 ق . م ، تحسب على أنها 365 يومًا و 6 ساعات.
 
ولكن العلماء لاحظوا أن الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرة كل 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية أي أقل من طول السنة السابق حسابها (حسب التقويم اليولياني) بفارق 11 دقيقة و14 ثانية ومجموع هذا الفرق منذ مجمع نيقية عام 325م حتى عام 1582 كان حوالي عشرة أيام، فأمر البابا جريجوري بحذف عشرة أيام من التقويم الميلادي (ليولياني) حتى يقع 25 ديسمبر في موقعه كما كان أيام مجمع نيقية، وسمى هذا التعديل بالتقويم الغريغوري, إذ أصبح يوم 5 أكتوبر 1582 هو يوم 15 أكتوبر في جميع أنحاء إيطاليا.
 
ووضع البابا غريغوريوس قاعدة تضمن وقوع عيد الميلاد (25 ديسمبر) في موقعه الفلكي (أطول ليلة و أقصر نهار) وذلك بحذف ثلاثة أيام كل 400 سنة (لأن تجميع فرق الـ11 دقيقة و 14 ثانية يساوى ثلاثة أيام كل حوالي 400 سنة), ثم بدأت بعد ذلك بقية دول أوروبا تعمل بهذا التعديل الذي وصل إلى حوالي 13 يومًا.
 
ولكن لم يعمل بهذا التعديل في مصر إلا بعد دخول الإنجليز إليها في أوائل القرن الماضي (13 يوما من التقويم الميلادي) فأصبح 11 أغسطس هو 24 أغسطس. وفى تلك السنة أصبح 29 كيهك (عيد الميلاد) يوافق يوم 7 يناير (بدلا من 25 ديسمبر كما كان قبل دخول الإنجليز إلى مصر أي قبل طرح هذا الفرق) لأن هذا الفرق 13 يوما لم يطرح من التقويم القبطي حيث ظل المصريين متمسكين بالتقويم القبطي
 
كأي حدث تاريخي يعود إلى العصور القديمة، تكونت عادات كثيرة مرتبطة بالاحتفال بيوم شم النسيم دون التحقق من حقيقة نشأتها أو مرجعيتها، وأشياء أخرى ارتبط تاريخها بشم النسيم أهمها ارتباطه بعيد القيامة المسيحي.
 
المتعمق في تاريخ مصر القبطي يعلم الكثير من التغيرات التي طرأت على موعد الاحتفال بالعيدين من عام لآخر، ولكن ما لا يعلمه الكثيرون هي الأسباب التي أدت إلى ذلك التغير وأسبابها وماهية اختلاف موعد الاحتفال بين الطوائف المسيحية المتعددة.
 
حقيقة مسمى شم النسيم بداية “شمّ النسيم” عيد مصري قديم، كان أجدادنا المصريون يحتفلون بهمع مطلع فصل الربيع.
 
الربيع، وكلمة “شم النسيم” swm `nnicim فهي كلمة قبطية مصرية، ولا تعني “استنشاق الهواء الجميل”، بل تعني “بستان الزروع”..
 
أسباب تغيير مواعيد الاحتفال بعد انتشار المسيحية في مصر في القرن الرابع، واجه المصريون مشكلة في الاحتفال بهذا العيد إذ أنه كان يقع دائمًا داخل موسم الصوم الكبير المقدس الذي يسبق عيد القيامة المجيد، وفترة الصوم Fasting تتميَّز بالنُسك الشديد والاختلاء والعبادة العميقة، مع الامتناع عن جميع الأطعمة التي من أصل حيواني؛ فكانت هناك صعوبة خلال فترة الصوم في الاحتفال بعيد الربيع، بما فيه من انطلاق ومرح وأفراح ومأكولات.
 
لذلك رأى المصريون المسيحيون وقتها تأجيل الاحتفال بعيد الربيع إلى ما بعد فترة الصوم، واتفقوا على الاحتفال به في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد، والذي يأتي دائمًا يوم أحد، فيكون عيد شم النسيم يوم الاثنين التالي له.
 
حساب الإقبطيأما بخصوص تحديد موعد عيد القيامة، فهذا له حساب فلكي طويل، يُسمى “حساب الإبقطي” Epacte، وهي كلمة معناها “عُمر القمر في بداية شهر توت القبطي من كل عام”.
 
حساب الأبقطي هو عبارة عن حسابات تجرى للوصول إلى موعد فصح اليهود وبالتالي موعد عيد القيامة وما يسبقه من صوم وما يلحقه من الخماسين وبعض الأعياد، ومن خلاله يتم تحديد موعد عيد القيامة في الكنائس الغربية والعربية بفروق بسيطة.
 
تم وضع هذا الحساب في القرن الثالث الميلادي، بواسطة الفلكي المصري “بطليموس الفرماوي” من مواليد بلدة فرما بين بورسعيد والعريش، في عهد البابا ديميتريوس الكرام البابا البطريرك رقم 12 بين عامي 189-232 م، وقد نُسِب هذا الحساب للأب البطريرك، فدُعِيَ “حساب الكرمة”.
 
وبالفعل وافَق على العمل به جميع أساقفة روما وأنطاكية وأورشليم في ذلك الوقت، بناء على ما كتبه لهم البابا ديميتريوس الكرام في هذا الشأن، ولما عُقِدَ مجمع نيقية عام 325 م، أقرَّ هذا الترتيب والتزمت به جميع الكنائس المسيحية حتى عام 1528م.
 
المسيحيون فقط من يأكلون البيض، الأب بيشوي كامل من أبناء الكنيسة المصرية، فسر ما يعتقده يعتقده البعض حول مراسم الاحتفال بشم النسيم، أهمها أن المسيحيون في العالم كله تعودوا على أكل البيض في عيد القيامة وليس في شم النسيم.
 
وأوضح أن شم النسيم عيد مصري لا علاقة له بأكل البيض والذي هو تقليد مسيحي عالمي وقصته تعود إلى عهد الرسل، بحسب قوله.
 
وأضاف أن المسيحيون ربطوا بين خروج الكتكوت من البيضة وقيامة السيد المسيح من الأموات، ويذكر التقليد أن القديسة مريم المجدلية أثناء كرازتها ذهبت إلى قيصر روما وكلمته عن القيامة، فهزأ بها وعند ذلك أحضرت له بيضة وقالت كيف تصدق بخروج الكتكوت من البيضة ولا تصدق أن خالق الكون كله يغلب الموت ويخرج من القبر، بحسب ما قالته.
وللرسالة بقية عبر سلسلة مقالات اخري