د. محمود خليل
تُعد عبارة «الإسلام دين ودولة» واحدة من العبارات التى تأسست عليها فكرة «الإخوان». وصاحب براءة اختراع هذه العبارة هو المؤسس الأول للجماعة الشيخ حسن البنا، الذى كان يردّد فى دعوته التأسيسية للجماعة مجموعة من العبارات التى تبلور فكرته تشمل: (الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف). وقد بقيت عبارة «الإسلام دين ودولة» كواحدة من أكثر العبارات تردّداً على ألسنة المؤمنين بفكرة الإخوان على مدار ما يزيد على ثمانين عاماً، رغم ما تنطوى عليه من مغالطة. أفهم أن يقال إن الإسلام دين ودنيا، لكن الأمر يختلف عندما يتم عطف الدولة على الدين.

يشير النص القرآنى إلى الشورى كأساس لسياسة أمور الدنيا، وأجدنى متّفقاً فى هذا السياق مع ما يذهب إليه البعض من أن القرآن الكريم وضع من خلال هذا المبدأ إطاراً لصناعة القرار بين أى مجموعة بشرية، لكن القرآن بحال لم يقدم أى إشارات إجرائية لكيفية تطبيق هذا المبدأ، والأكثر من ذلك أنه جعل تلك الأمور الإجرائية شأناً من شئون الدنيا، وليس شأناً من شئون الدين، فنسب الشورى بصورة كاملة إلى الجماعة البشرية المؤمنة فى الأساس. فالآية الكريمة التى وردت فى سورة الشورى تقول: «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون». فمفردة «أمرهم» واضحة الدلالة على إحالة الأمر برمته إلى الجماعة البشرية المؤمنة، ويتساند مع ذلك أن أمر الشورى وإطلاق يد البشر فى صناعة القرار بالتوافق فى ما بينهم تم حتى فى الحالات التى شهدت نزول الوحى على النبى، صلى الله عليه وسلم، وليس أدل على ذلك من التوجيه الربانى للنبى، صلى الله عليه وسلم «وشاورهم فى الأمر»، فالوحى يتصل بأمور الدين، أما أمور الدنيا فمرتبطة بالاجتهاد البشرى، وإلا ألصقت أخطاء الأداء البشرى -وهى واردة فى كل الأحوال- بالدين، وذلك مكمن من مكامن الخطر.

ولست بحاجة إلى التذكير بالكثير من الحوادث والمواقف التى قام المسلمون العاديون فيها بمراجعة الخلفاء الراشدين فى أمور الدنيا، قناعة منهم بأنهم يتمتعون بحق كامل فى مراجعة ولى الأمر. وبمناسبة الحديث عن الخلفاء الراشدين قد يكون من المفيد أن نتوقف عند وصف «الخليفة» الذى نعت به حاكم الدولة بعد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم. وقد أورد الشيخ على عبدالرازق صاحب كتاب «الإسلام وأصول الحكم» عدة تعريفات للخلافة، منها التعريف الذى يذهب إلى أنها تعنى «رياسة عامة فى أمور الدين والدنيا نيابة عن النبى، صلى الله عليه وسلم»، كما أورد تعريف «ابن خلدون»، الذى يقرر أن الخلافة هى «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى فى مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشرع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة. فهى فى الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به». والخلط بين مفهوم الدين والدولة فى هذه التعريفات واضح لا لبس فيه، والسر فى ذلك أن الخليفة ينظر إليه على أنه نائب عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رغم البون الشاسع الذى يفصل بين النبى المعصوم، الذى يأتيه الخبر من السماء، وأى شخص آخر يجتهد بعقله ونظره فى الأمور والنصوص، فيخطئ ويصيب. وربما كان السر فى هذه التسمية يعود إلى العبارة العمرية الشهيرة التى قالها «ابن الخطاب» فى اجتماع السقيفة الشهير فى معرض دفاعه عن حق أبى بكر الصديق فى الخلافة: «رضيه رسول الله خليفة له فى دينه، أفلا نرضاه خليفة له فى دنياه».
نقلا عن الوطن