خالد منتصر
الطفل الأعمى الكفيف من الممكن أن يصبح عبقرياً، وشاهدنا فى حياتنا عشرات الآلاف من المبدعين، أما الطفل الأصم المحروم من السمع أو المولود بهذه الإعاقة، فمن الصعب، بل أحياناً من المستحيل، أن يسير فى طريق الإبداع إلا بعض الفلتات النادرة الاستثنائية، وهذه دلالة على أهمية وخطورة غياب تلك الحاسة عن الأطفال، لذلك سعدت بخبر إدراج الكشف المبكر عن ضعف السمع ضمن الفحوصات والتطعيمات الإجبارية للطفل، التى ستُطبّق بداية من يونيو المقبل، خطوة رائعة وثورية، كما وصفها د. أحمد سامح فريد، أستاذ الأنف والأذن المعروف ووزير الصحة السابق، لأنها سترسم لنا خريطة الوقاية والعلاج والاكتشاف المبكر، وكم من هؤلاء الأطفال سيحتاجون إلى سماعات أو زرع قوقعة، سيتم إنقاذ عشرات الآلاف من الأطفال ودمجهم فى التعليم العام، بدلاً من تعلم لغة الإشارة فى المدارس الخاصة، نسبة الصمم العالمية تقريباً ٥٪ من السكان وتزيد فى الدول الفقيرة، ومشكلة ضعف السمع عندنا غالبيتها مابين الفقراء الغلابة، لذلك كان قرار المسح الطبى، وقبله قرار توزيع السماعات فى التأمين الصحى لأطفال المدارس قراراً فى منتهى الأهمية، فمرونة المخ فى الاستيعاب تقل مع الزمن، وإن لم يستوعب الطفل المعلومات المنطوقة التى حوله من خلال الأذن قبل خمس سنوات فهو قد فقد فرصة عمره، وإذا أهملته الأسرة أو المجتمع لما بعد هذه السن فتلك جريمة عظمى، من هنا تأتى المشكلة الأصعب وهى زرع القوقعة، وقائمة الانتظار الرهيبة التى من الممكن أن تفقد الطفل فرصته الذهبية فى الدمج المجتمعى والعودة إلى طبيعته والاحتفاظ بقدرته على السمع، وقد قدم العلم هدية عظيمة لهؤلاء المرضى بنقص السمع الحسى العصبى، والهدية هى زرع القوقعة.

لماذا قائمة الانتظار طويلة؟، ولماذا لا يلجأ الأهل الذين معظمهم غلابة إلى المستشفيات الخاصة؟، لأن الجهاز (فقط) الذى ستتم زراعته يتجاوز ثمنه المائة وسبعين ألف جنيه!!، وهناك كارثة ومأساة أمام هؤلاء الأطفال، الذين ما زال أمامهم طريق آخر صعب بعد زرع القوقعة، وهو طريق التأهيل والتخاطب لكى يستعيدوا إنسانيتهم ويندمجوا فى مجتمعهم، لذلك ننصح بألا يُرخّص لأى جهة أن تقوم بعملية زرع قوقعة إلا ويصاحبها تحديد طاقة التأهيل التخاطبى من عناصر فنية مدربة، لأنه ببساطة زرع قوقعة دون تأهيل تخاطب حرث فى الماء بلا جدوى وتكلفة ضائعة فى الهواء، سيصيبكم الحزن لو شاهدتم هؤلاء الأطفال المعزولين داخل شرنقتهم الكثيفة المنسوجة من الصمت والخرس، وستلمسون حجم الكارثة، الطفل بدون سمع مجرد كتلة آدمية من لحم ودم بلا تواصل وبلا حياة، والحل ممكن، والأطباء القادرون على إجراء العملية، والمستعدون للتنازل عن أتعابهم كثيرون، لكن المشكلة فى هذا الكمبيوتر، الذى يحوّل الاهتزازات الصوتية إلى إشارات كهربية يفهمها ويترجمها المخ عبر أعصاب السمع، التى لا بد أن تكون سليمة، لكن ما هذه القوقعة؟، جهاز السمع يتمثل فى القوقعة، التى تحوى العضو الحساس المسئول عن نقل السمع إلى العصب السمعى، ويطلق عليه اسم عضو كورتى، الذى يحوى الخلايا المشعرة الحسية العصبية، التى تقوم بتحويل الاهتزازات الصوتية الواصلة من الأذن الوسطى إلى إشارة كهربائية يطلق عليها اسم «السيالة العصبية»، هذه الخلايا تتصل مع ألياف العصب السمعى، الذى يقوم بنقل السيالة العصبية إلى المراكز الدماغية، نقص السمع الحسى العصبى يحدث فى معظم الأحوال نتيجة إصابة فى هذه الخلايا الحساسة، ومن أسباب هذه الإصابة: التشوهات الخلقية، الإصابات الوراثية، العوامل الجرثومية والفيروسية.

مطلوب إنقاذ أطفال مصر من المعاقين سمعياً، وتأهيل إخصائيى التخاطب ورفع رواتبهم، لأنهم عملة نادرة، وتكوين جمعية لتوفير هذه القواقع لمن يقرّر التأمين الصحى علاجهم، وتنويع مصادرها ومصادر السماعات وتحسين خدمة ما بعد البيع، لا بد من التكاتف حتى نُنقذ هؤلاء المساكين من صحراء الصمت.
نقلا عن الوطن