.بقلم د. ماجد عزت إسرائيل

  
 مدينة ترير(Trier)الألمانية تقع جنوب غرب ألمانية ضمن مقاطعة "راينلاند-بفالز" Rheinland-Pfalz التي عاصمتها مدينة "ماينز"،وتقع ذات المدينة عند ملتقى مفرق الطرق الدولية ما بين ثلاثة دول وهي: ألمانيا وفرنسا ولكســـمبورغ ،بالقرب من منبع نهر الموزيل، ويبلغ عــــدد سكّانها إلى نحو (105,260) نسمه،طبقاًلإحصاء عام(2010م)وتشتهر المدينة بالعديد من المناطق الأثرية نذكر منها على سبيل المثال البوابة الرومانية(Porta Nigra)،وقلعة رايشسبورج كوخم التى تقع على نهر الموزيل، والحمامات الرومانية،ونافورة تريبيتا،ويوجد بذات المدينة أكبر كاتدرائية في المنطقة الجنوبية الألمانية وهى التى يوجد بها رداء السيد المسيح.
 
  ويرجع تاريخ علاقة أقباط مصر بمدينة ترير(Trier) إلى النصف الثانى من القرن الرابع الميلادى، وبالتحديد عام (336م) حيث نفي البابا أثناسيوس الأول البطريرك رقم (20)(328-373م) إلى هذه المدينة بأمر من الأمبراطور قسطنطين الكبير(25 يوليو 306 – 22 مايو337م)،والبابا أثناسيوس الرسولي- ولد حوالي عام (295م)،وعاش صبوته في الأوساط الكهنوتية،أى دار الأسقفية بمدينة الإسكندرية،جعلته متمرساً في شئون تدبير الكنيسة،متنسماً الأجواء العبقة بالاهتمامات التعليمية الرعوية البحتة لباباوات الإسكندرية،وجلها كانت مصبوغة بالعلوم اللاهوتية العالية.أما شبابه فقد قضاه في صحبة وتلمذة ناسك البرية الأول القديس أنطونيوس،الذي أرسى تعاليم القديس أثناسيوس بذور رؤيته الخلاصية للمعرفة اللاهوتية،أى الرجاء في نعمة الشركة مع الله كأساس لكل تعليم وكفاية لكل عقيدة.ةمن خلال ذلك كان القديس أثناسيوس يتدرج في الخدمة الهيكلية حتى وصل إلى رتبة (ذياكون) حيث كان المشير اللاهوتي المؤتمن لأسقفه البابا ألكسندروس،حيث رافقه في أول مجمع مسكوني كبير،ثم لما تنيح البابا ألكسندروس  عام 328م انتخب القديس أثناسيوس بسرعة ليمسك بدفة الكنيسة في مواجهة عواصف الهرطقة الأريوسية لمدة 45 عاماً، مناديا بالحق الإلهي المختص بتدبير خلاص الله للبشر،ومناضلاً ضد الباطل وما زال العالم المسيحي في العالم أجمع وفي كل الكنائس على أختلاف مذاهبها وطوائفها مديناً للعقيدة اللاهوتية التى شرحها وناضل من أجلها هذا الرجل وحده،ولم يشغله عنها شاغل أو هم آخر سواها. ومن أجل نفي إلى مدينة ترير في عام 336م وعاش بها منادياً بالإيمان حتى صدر قرار برجوعه عام(338م). واستقبله الشعب بفرح وصار كل بيت ككنيسة في مصرنا الحبيبة.
 
   يجب علينا هنا أن نؤكد أن المتنيح قداسة البابا "كيرلس السادس" البطريرك رقم (116) (1959-1971م) في حبرية قداسته وصلت الكنيسة القبطية إلى مكانة كبيرة في الكرازة ببلاد المهجر وخاصة بعد أن اثنى المتنيح قداسة البابا "بولس السادس"البابا رقم (262)(21 يونيو 1963 -6 أغسطس 1978م)؛ على مكانة كنيستنا القبطية في بلاد أوروبا. وقد حرص نيافة الأنبا "صموئيل " بإرشاد من قداسة البابا كيرلس السادس على إرسال كهنة إلى أغلب هذه البلاد حتى لا يضيع الشعب القبطى فى وسط شعوب البلاد التى هاجروا إليها، وكانت مهمتهم هو الإفتقاد وأقامة الصلوات والقداسات والخدمات والأنشطة المختلفة. ومع إنشاء العديد من الكنائس فى كل أوروبا،بدأ استقرار الكهنة ونشأة الكنائس وخاصة منذ وجود المتنيح القمص "صليب سوريال " (1916- 1994م) ، وهو الذى أوفده المتنيح البابا "شنودة الثالث" البطريرك رقم (117) (1971-2012م)  في عام 1975 إلى ألمانيا لخدمة شعبها فأسس سبعة كنائس في جميع أنحاء المانيا ودير الأنبا أنطونيوس في كريفلباخ بالقرب من فرانكفورت ومركز ثقافي قبطي ملحق بالدير.
 
   ومنذ أول تسعينيات القرن المنصرم بدأت رغبة كبيرة لدى المتنيح البابا "شنودة الثالث" بإنشاء كنيسة للبابا أثناسيوس الرسول في منطقة ترير،وكان صاحب حلقة الاتصال من أجل إنشاء هذه الكنيسة  المتنيح المطران الأنبا "بشوى"أسقف دمياط والبرارى. ومن الجدير بالذكر أن عدد الأسر القبطية في عام 1993م كان يقدر بنحو عشر عائلات قبطية،وكانوا يصلون بأحد القاعات في مدينة ترير مع الأب "دميان" –حاليًا الأنبا دميان أسقف شمال ألمانيا – ،وكان يرافقه الصلاة بذات المدينة القمص ببنوده الأنبا بشوى  -حاليًا عاد إلى ديره بالأنبا بيشوى بوادي النطرون بمصر -.
 
  ومع أوائل عام(1994م) عرض على الكنيسة القبطية مبانى تابعة لقوات الجيش الأمريكى-وهم القاطنين منذ الحرب العالمية الثانية(1939-1945م) – في مدينة بيتبورج وهي تبعد تقريباً عن مقر نفي البابا أثناسيوس الرسولي نحو 28 كيلومتر في منطقة تسمى(Ewag platz) وهي عبارة عن ثلاثة مباني بالإضافة إلى ملحق لها عبارة عن سينما،وخلال ذات الفترة دارت المفوضات ما بين الأنبا دميان أسقف شمال ألمانيا الحالي والمسؤولين وهي التى إنتهت بشراء هذه المباني والسينما ومرافقها وهي التى تقدر مساحتها جميعاً بنحو(11 ألف متر مربع)،وتضم ثلاث مبانى تحتوى على نحو(420) غرفة،بالإضافة إلى نحو(160) غرفة مستقلة. 
 
 ومنذ ذات اللحظة بدأت الخدمة بمنطقة بيبورج أى في عام 1995م ،وكان يقوم بالخدمة الأب دميان ويعاونه القمص ببنوده الانبا بيشوى،وكانوا يصلون بقاعة في الدور الأرضى في المبنى الرئيسى،وكان المبانى جميعها تعانى من عدم وجود المياه أو التدفئة.وبعد فترة وجيزة كان يقوم بالخدمة كاملاً أبونا "ببنوده" وظل في خدمته حتى عام(2002م) بعد أن تأسست كنيسة صغيرة عرفت باسم كنيسة البابا "أثناسيوس الرسولي" بالمبنى الرئيسى رقم(105).
ومنذ بداية عام 2002 م واصل الخدمة بكنيسة البابا "أثناسيوس الرسول" القمص"مينا ونيس" وكان تعاونه زوجته تاسونى "أيفون"،وبدأت الخدمة تمتد إلى المناطق المجاورة فبدأ صلاة قداس كل شهر بمدينة ترير(مكان نفي البابا أثناسيوس الرسول)،وبدأ تعاون ما بين الكنائس الألمانية والكنيسة القبطية وخاصة في فترة أعياد الميلاد - كاتب  هذه السطور شاهد بنفسه أثناء زيارته لهذه الكنيسة عام 2009م- واشتهرت كنيسة بيتبورج بإقامة المؤتمرات الروحية لكل شباب أوروبا.ومن الجدير بالذكر أن نيافة الأنبا موسى أسقف السباب حضر بنفسه وشارك في هذه المؤتمرات وأثنى على خدمة تاسونى"أيفون" وتنظيمها الرائع لهذها المؤتمرات.
 
   ومنذ عام 2014م اسند نيافة الحبر الجليل الأنبا مشيائيل رئيس دير الأنبا أنطونيوس بكريفلباخ وأسقف جنوب ألمانيا الخدمة بكنيسة البابا أثناسيوس الرسول بمنطقة بيتبورج إلى الراهب القس "شنودة الأنبا أنطونيوس"- وأبونا شنودة هو من خيرة رهبان البرية الشرقية بمصر،وقد إلتحق بدير الأنبا أنطونيوس بكريفلباخ بالقرب من فرانكفورت،وعرف عنه حبه للصلاة  والخدمة والتواصل مع الشباب والأسرة المهاجرة حديثاً إلى ألماني،وخاصة بعد الأحداث التى ضرب بمصر والعالم العربى أى منذ عام 2011م- وهنا لاننكر معاونة إدارة الكنيسة في نجاح هذه الخدمة في هذه البيعة المقدسة.
 
  وقد تزامن مع خدمة الراهب القس "شنودة الأنبا أنطونيوس" زيادة عدد المهاجرين سواء من مصر أو العراق أو سوريا أو أرتيريا،وأصبحت الحاجة ملحة إلى كنيسة كبيرة تستوعب عدد المصلين، فبدأت فكرة تحويل مبنى السينما إلى كنيسة تحمل اسم "البابا أثناسيوس الرسول"،وبسواعد الأقباط وبدعم الأنبا مشيائيل وإدارة الكنيسة فبين عشية وضحاها تحولت مبنى السينما إلى كنيسة كبيرة لتخدم أبنا الكنيسة في محيط يصل إلى نحو(200 كيلومتر مربع تقريبا).
 
   وهنا نسجل للتاريخ وشهادة حق أن الراهب القس شنودة الأنبا أنطونيوس نج في استغلال طاقة الشباب في تنظيم المؤتمرات الروحية، وعلى شاكلته نظمت دورات رياضية في كرة القدم ما بين (2016-2018م)،وعقدت بعض الدول المجاورة مثل هولندا وبلجيكا ومصر مؤتمراتها بذات المكان. والحق يقال أن الدؤب الراهب أبونا شنودة الأنبا أنطونيوس نج في تجميع الأسر في مناسبات الأعياد وخاصة عيد الميلاد والقيامة –حيث تقيم الأسرة لمدة أسبوع ويقدم لها وجبات مجانية وخدمات لأولادهم مثل المشاركة في أنشطة الكنيسة من كورال أو مسرح أو عمل فنى أو خدمى.
 
على أية حال،كان من المحدد تدشن هذه الكنيسة بيد قداسة البابا تواضروس الثانى (منذ 4 نوفمبر وحتى الآن) في أكتوبر عام 2017م أثناء زيارته لألمانيا،ولكن نظر لظروف لتعرض الشرطة والجيش لأعمال إرهابية كان محصلتها سقوط عدد كبير من الشهداء قطع البابا تواضروس الثانى زيارته وعاد إلى مصر مشاركاً شعب مصر أحزانه على الشهاء منفذاً تعاليم الكتاب المقدس حيث ذكر قائلاً:"  "فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ." (رو 12: 15).
 واليوم 16 مايو 2019م ولمدة يومين أى حتى يوم 18 مايو 2019م  يبدأ قداسة البابا تواضروس الثانى زيارته لكنيسة بيتبورج من أجل تدشين الكنيسة،وهنا علينا أن نتذكر البابا "أثناسيوس الأول الرسول" البطريرك رقم (20) (328-373م) حامى الإيمان وصاحب هذه البيعة المقدسة،وأيضًا نفرح بزيارة قداسة البابا "تواضروس الثانى" الذى لم ينسى شعبه في المهجر،وجاء من أجل مشاركته ورعايته وتدشين هذه الكنيسة، الرب يبارك ويحفظ كل من له تعب في هذه البيعة وكل بيعة مقدسة.