خالد منتصر
ليس الموت فقط هو تحلل الجسد، بل هو تحلل العزيمة، ليس الموت فقط هو خروج الروح من الجسد، بل هو خروج الإرادة من الروح، ليس الموت فقط هو انقطاع النفس، بل هو انقطاع الحلم، هناك فرق بين تاريخ الموت وتاريخ إعلان الوفاة، أنت تموت حين تفقد الشغف، ولو مرت بعدها خمسون سنة من حركة الجسد فأنت لست حياً، الحياة بدون شغف هى مجرد عيشة لا حياة، الجسد حين يفقد نشوة وشبق الشوق والفضول فهو مجرد جثة تتنفس، احتفظ بدرجة حرارة شغفك بالحياة والعمل والتحقق، لا تنظر فى مرايا الآخرين لكن انظر فى مرآة نفسك وحدّق فى الملامح المنعكسة عليها بدون ماكياج ولا أقنعة، واسأل نفسك: «ماذا أريد أنا؟» وليس ماذا يريده الآخرون لى، اصعد على خشبة مسرحك لكى تؤدى دورك الذى كتبته بحبر الروح ولا تستجدى تصفيق الجمهور، فأجمل صوت سيكافئك ويطربك هو صوت دقات قلبك الراقص عندما تكون أنت، عندما ترضى عن نفسك وتتصالح معها، ارسم بورتريهك بريشتك، ببساطة كن أنت لا هم، ابحث عن تفردك وتميزك وخصوصيتك، ولا تسمح لأحد بأن يشوه ملامحك بدعوى جراحة التجميل، حينها لن تموت ببطء فاقداً قطعة من نسيج الروح كل يوم بغرغرينا التوافق الاجتماعى والاندماج مع القطيع والطيران مع السرب الأليف الدافئ، احفظ وردد قصيدة شاعر شيلى العظيم بابلو نيرودا الذى عاش كما أراد برغم الحصار والتهديدات والمغريات، عندما فتشوا بيته وسألوه: أين السلاح؟، كان رده: الشعر هو سلاحى الوحيد!، لم يتمكنوا من اصطياد أو اعتقال سلاحه، لأنه كان ساكناً فى ثنايا الروح وخلايا الوجدان، مات مغضوباً عليه من حكام شيلى فى ذاك الوقت، لكن يكفيه أنه خُلّد فى قلوب محبيه حتى تلك اللحظة، يكفيه أنه رحل نيرودا الذى أراده هو، وليس نيرودا كما أراده سماسرة الدم، يقول نيرودا:

يموت ببطء..

من لا يسافر..

من لا يقرأ..

من لا يسمع الموسيقى..

من لا يعرف كيف يجد شيئاً..

بفضل عينيه..

يموت ببطء..

من يحطم كبرياءه..

من لا يرغب فى مساعدة أحد..

يموت ببطء..

من يصبح عبداً للعادة..

يعاود كل يوم المسافات نفسها..

من لا يغير أبداً معلمته..

لا يجازف أبداً بتغيير لون ملابسه..

أو لا يتحدث أبداً مع غريب..

يموت ببطء..

من يتجنب العواطف..

وزوبعتها الانفعالية..

التى تمنحنا النور فى العيون..

وتصلح القلوب الجريحة..

يموت ببطء..

من لا يغير المكان..

عندما يكون حزيناً..

فى العمل أو فى الحب..

من لا يركب المخاطر..

لتحقيق أحلامه..

من، ولو لمرة واحدة فى حياته..

لا يتهرب من نصائح حساسة..

عش الآن!!

جازف اليوم!!

بادر بسرعة!!

لا تترك نفسك تموت ببطء!!

لا تحرم نفسك من السعادة!
نقلا عن الوطن