فى مثل هذا اليوم 13 مايو1940م..

سامح جميل

فضلا عن كونه داهية سياسية وبالأخص فى فترة الحرب العالمية الثانية فإنه كان كاتبا ومؤرخا رفيع المستوى، كمان كان خطيباً مفوهاً، ولذلك حين حصل على جائزة نوبل عام 1945 حصل عليها فى الأدب وكانت عن مجمل كتاباته التاريخية
 
فوق كونه ضابطاً فى الجيش البريطانى ومخططاً استراتيجياً وسياسياً رفيعاً فقد كان كاتباً ومفكراً سياسياً كبيراً، وكان قد شغل منصب رئيس وزراء بريطانيا لثلاث مرات امتدت من 1940 إلى 1955 وأثناء توليه رئاسة الوزراء فى الحرب العالمية الثانية رفع معنويات شعبه وتصدى لمحاولات هتلر التوسعية، وكان النصر حليفاً له، وكان تشرشل أول من ابتكر علامة النصر بإصبعيه السبابة والوسطى، والتى مازال العالم يشير بها إلى وقتنا هذا، وهو مولود فى 30 نوفمبر 1874 فى أكسفورد شاير بإنجلترا، ودرس بأكاديمية هارو، ثم فى أكاديمية ساندهرست العسكرية، وعمل بعد ذلك ضابطاً فى سلاح الفرسان بالهند والسودان وأولدهام ونـُقِل لمصر فى 1898 ثم التحق بسرية من الجيش فى السودان، وشهد معركة أم درمان فى 1898 كما شهد حرب البوير بوصفه مراسلاً حربياً، وأسره البوير وقد بدأ مسيرته البرلمانية والسياسية بحزب المحافظين، وفى 1904 انضم لحزب الأحرار، وفى 1908 عين وزيراً للتجارة، ثم للداخلية، ثم للبحرية، ثم وزيراً للذخيرة، ثم للحربية والطيران، وعاد لحزب المحافظين، وفى 1924 عُين وزيراً للمالية، وكان بين عامى 1929 و1939 بلا منصب، وانصرف للتأليف، وبعد فوز المحافظين فى انتخابات 1950عاد رئيساً للوزارة البريطانية حتى 1955 وتوفى فى 24 يناير 1965. ومما يدلل على البلاغة الخطابية لتشرشل أن خطبه قد سجلها له التاريخ وأشهرها الخطاب الذى حمل عنوان «الدم والتعب والدموع والعرق» والذى ألقاه بمجلس العموم البريطانى للمرة الأولى عقب توليه منصب رئيس الوزراء فى الثالث عشر من شهر مايو 1940م وهى خطبة أججت صمود البريطانيين وأوقدت حماسهم لخوض غمار الحرب ضد ألمانيا النازية، كما كانت دعوة لحمل السلاح وتوحيد الصف البريطانى ضد خطر النازية ومما جاء فى الخطاب: 
 
«إننى أؤكد لمجلس العموم كما سبق أن أكدت لأولئك الذين انضموا لهذه الحكومة: أننا ليس لدينا ما نقدمه غير الدم والتعب والدموع والعرق، والآن ونحن نواجه محنة من أكثر المحن ضراوة وشراسة أمامنا شهور طويلة من الصراع والمعاناة والكفاح، وإنكم لتتساءلون ما هى سياستنا؟ وأنا أؤكد لكم أن سياستنا هى خوض غمار الحرب بحرا وبرا وجوا بكل ما أوتينا من قوة، وبكل ما يسخره لنا الله من عزم وثبات، وأن نشن الحرب ضد قوى الجبروت والطغيان الوحشى الذى لم يسبق له مثيل فى بشاعته وارتكابه أبشع الجرائم ضد الإنسانية، تلك هى سياستنا وقد تتساءلون ما هدفنا؟ وأجيب عليكم فى كلمة واحدة: هدفنا هو النصر والنصر مهما كلف، والنصر بالرغم من كل الإرهاب ولا شىء غير النصر، النصر مهما بعدت علينا الدروب وشقت حيث إنه دون النصر لن يتسنى لنا البقاء».. 
 
ثم ألقى تشرشل خطبة ألهبت الأمة بعد انسحاب الجيش البريطانى من دانكرك (على الساحل الفرنسى) فى 1940 ليشد من أزر الأمة عقب هذه الانتكاسة، فقال: «سنستمر حتى النهاية، سنحارب فى فرنسا، سنحارب فى البحار والمحيطات، سنحارب بثقة متزايدة وقوة متصاعدة فى الأجواء، وسندافع عن الجزيرة (بريطانيا) مهما كان الثمن، سنحارب على الشواطئ، سنحارب فى أراضى الإنزال، سنحارب فى الحقول والشوارع، سنحارب فى التلال.. لن نستسلم أبدًا حتى لو أُخضع جزءٌ من هذه الجزيرة أو جُعنا وهو ما لا أراه، فإن إمبراطوريتنا عبر البحار التى تحميها البحرية البريطانية ستواصل الكفاح حتى يأذن الله للعالم الجديد بكل قوته وقدرته أن يتقدم لإنقاذ وتحرير العالم القديم»...!!
 
وهو الخطاب الذى أطلق عليه البريطانيون «سنحارب على الشواطئ» وهى الخطبة التى ألقاها أمام مجلس العموم البريطانى فى 4 يونيه 1940 إبان عملية «الإجلاء» عن شواطئ «دنكرك» بشمال فرنسا بهدف إنقاذ حياة 400 ألف بريطانى من الموت أو الأسر على أيدى القوات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، أما الخطاب الذى يحمل عنوان «هذه أجمل ساعة لهم» فقد ألقاهاه يوم 18 يونيه بعد أن تحققت عملية «الإجلاء».!!