بقلم : مدحت بشاي

نسأل دومًا فى أزمنة القسوة وجفاف المشاعر، وحين يحزننا جدب الأرض وغضب السماء عن تراجع الحالة الإبداعية لدينا، وحكاية التراجع ليست لظرف طارئ نفسى أو اجتماعى وفترة ونعديها كما يصورها البعض، ولكنها حالة تمثل نتيجة طبيعية وحصاداً مُنتظراً لمجتمعات تكثر فيها محددات الإنتاج الإبداعى ومشروطيات وقياسات كل منتج وكل فكر إبداعى يتجدد مع كل إبداع، إلى حد فرض محرمات معرفية وثقافية (تحليل وتحريم) تغل فكر المبدع وتكبت مشاعره وتكلس أحاسيسه فيتوقف الفكر المحاور والجدل الناقد، وتموت جرأة اقتحام مساحات إبداعية جديدة، ومن ثم العودة فورًا لمساحات السكون المطمئنة الخاملة، واجترار ما تم اجتراره فى السابق من أشكال لنتعايش من جديد مع مضامين تقليدية تبعث على الملل، بل قد تدفع بشر تلك المجتمعات لكراهية كل الموجودات من حولهم، ونفور بعضهم لبعض على مستوى التعامل الإنسانى!!!

نحن نحيا مع الفنون وإبداعات البشر مرة ثانية غير حياتنا، بل وثالثة ورابعة مع كل تجدد لأوراق شجرة الإبداع وأزاهير الفنون ونسائم عبير جمالها.

الفنون، ليست كما يصورها البعض مجرد قفزات عشوائية فى أفق اللا معنى وفى مساحات اللعب التافه، يرونها أحيانًا أنها قد تمثل حالة هروب من واقع رتيب فى الوقت الذى كان على المبدع أن يخرج بإبداعاته فى مواجهات شجاعة مع شياطين عتمة الكراهية فى كهوف العنكبوت الخانقة للانطلاق لفضاءات النور والبهجة وهواء السلام المتجدد..

ويا من تُحرمون علينا الاستمتاع بنعيم العقل ونعمة الفكر الناقد وإعمال التأمل العلمى الموضوعى، ألا تعلمون أن ترصدكم ووقفاتكم الاحتجاجية المُضلة الغاشمة وبلاغاتكم الجاهلة لإيقاف نمو وإزهار شجرة التنوير التى حدثنا عنها الرئيس السيسى من أمام «مسجد الفتاح العليم» و«كنيسة ميلاد المسيح» فى يوم واحتفالية سلام بديعة وإعلان حتمية مواجهة جرذان الكراهية المقيتة.. ألا تعلمون أن ما تفعلون جريمة بشعة لن يغفرها لكم التاريخ، ولن يسامحكم عليها مواطنونا أولاد حضارة علمت الدنيا كل صنوف الإبداع الرفيع؟!!

ويا من توصدون كل يوم نوافذ وبوابات الولوج لمنظومات إعمال الفكر الناقد، من أقامكم حكامًا وقضاة وأصحاب قرار علينا، وعلى أفكارنا وإبداعاتنا بشكل مطلق وجميعها ذات طابع نسبى قابلة للتغيير والتجديد والتطوير والبناء عليها أو اختزال أجزاء منها للتماهى والتوافق مع مستجدات كل عصر ومع صلاحية بيئة كل فكر تتم استعارته من أهل مدن الحداثة وما بعد الحداثة..

لن نسامح أنفسنا، وسيحاسبنا الأحفاد لو تهاونا فى الوصول إلى اتفاق على معيار عقلانى نستند إليه فى خياراتنا لبوصلة مشاريعنا الفكرية والثقافية.

 

الآن لدينا فرصة هائلة مع الرئيس السيسى لاستدعاء قوانا الناعمة من جديد وبحماس لدفع كل آليات التنوير بالعمل الجاد والموضوعى عبر مؤسسات التعليم والثقافة والرياضة والأوقاف والجامعات ومنظمات العمل المدنى بعد رحلة قاسية عشناها وما زلنا نعيشها فى منطقتنا الموعودة بأجواء ظلامية غادرة والعيش فى حروب ومواجهات صعبة مع قوافل الجهل والتخلف الإنسانى المتمثلة فى عصابات «داعش» ومن على شاكلتها التى طلت علينا بكتائب سوداوية تنشر العتمة برائحة الدم ولونه لتستحيل الرؤية وتنعدم الحركة ويموت الأمل وينتشر الإحباط لدى الناس (أقصد الضحايا).. أكرر لدينا الفرصة الآن فلا تهدروها فقد نضج شعبنا بمقدار ألف عام.. أدرك العدو وفطن كل حيله، ويبقى فقط إزاحة كسل العقل عنا.