القس رفعت فكري سعيد
تهنئة قلبية أتوجه بها إلى أحبائنا المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم راجيًا لبلادنا الحبيبة مصر مزيدًا من الرفاهية والتقدم، الصوم موجود فى كل الأديان، فاليهود والمسيحيون لديهم أصوامهم الخاصة بهم، وأيضًا الصوم معروف قبل الأديان، فلقد عرفه الإنسان ومارسه منذ فجر البشرية، فأقدم الوثائق التاريخية وما نقش فى معابد الفراعنة وما كتب فى أوراق البردى جميعها تؤكد أن المصريين القدماء مارسوا الصوم، خاصة أيام الفتن حسب ما أملته عليهم شعائرهم الدينية آنذاك، كذلك فإن للهنود والبراهمة والبوذيين تقاليدهم الخاصة فى الصوم، ومن الخطأ الفادح أن يظن الصائم أن الهدف من الصوم هو فقط الامتناع عن الطعام والشراب لفترة من الزمن دون أن يصوم قلبه عن ارتكاب المعاصى والمآثم، فما أكثر الذين يصومون أجسادهم عن الطعام ولكنهم يعيشون بألسنة وقلوب وأيد وعيون غير صائمة!!

إن الصوم لا يتوقف عند حد الامتناع عن الأكل والشرب، ولكن للصوم معنى أعمق من ذلك، إن جوهر الصوم هو أن نجوع ليس إلى الطعام ولكن إلى الله، وأن نشعر بأننا فقراء إليه وأن نؤمن بأن الحاجة إلى واحد إلى هذا الإله الواحد الذى يغذينا بنعمته، فنفهم أننا به نلنا كل شىء، إن الصوم ليس سوى ترويض النفس والقلب والعقل على أن الله هو المهيمن على الدنيا والتاريخ وهو كل الحياة، فالله سبحانه وتعالى إله قدوس يكره الخطيئة، كما أنه يبغض الإثم والاعتكاف، لذا فهو يريد القلب النقى أكثر مما يريد الجسد الجائع والمعدة الخاوية!! إن الصوم الذى يقبله الله هو صوم القلب عن النيات الشريرة والدوافع غير النقية، وهو صوم الشفاه عن التكلم بالكذب والتفوه بالأباطيل والخداع والغش والنفاق، وهو صوم العين عن النظرات الشريرة الشهوانية، وهو صوم الأرجل عن الجريان إلى السوء وإيذاء الآخرين، وهو صوم الأيدى عن العنف وسفك الدماء البريئة، وكذلك صومها عن أخذ الرشوة والسرقة ونهب المال العام!!

إن منع الجسد عن الطعام لابد أن يمتد ليكون منعًا عامًا عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى، إن جوهر الصيام هو تقوى الله وانطلاق الروح من مطالب الجسد لكى يسمو الجسد معها متجهين معًا فى اتجاه واحد هو محبة الله والتمتع بعشرته، ويوم الصوم الذى لا يفكر فيه المرء فى الله سبحانه وتعالى وفى تقواه ينبغى أن يشطب من أيام الصوم!! يا رب ونحن صائمون هبنا أن نتوب عن خطايانا وآثامنا وأعطنا أن نصوم القلب مع المعدة فتتنقى اتجاهاتنا ودوافعنا، واجعل هدفنا الرئيسى والأوحد هو مخافتك وتقواك وأعطنا أن نتخلى عن أنانيتنا فنمتنع بحريتنا عن الطعام حتى نؤازر الممتنع عنه غصبًا، وأعطنا يا ربنا فى صومنا أن نطعم الجائع، ونؤوى المسكين، ونكسو العريان، ونحرر الأسير، ونهدى الضال، ونساند الضعيف، ونقف بجوار المظلوم والمهزوم، وساعدنا لكى ننزع من قلوبنا الكراهية والضغينة، ونزرع محلها بذور الحب والتسامح، وبهذا نحن نثق أنك ستقبل صومنا، آمين.
نقلا عن المصرى اليوم