سمير عطا الله
في الطريق إلى مدينة نصر، لوحة كبيرة تحيي النادي الأهلي، فقلت إنها مناسبة لأعرف انتماءات سائق التاكسي: «طبعاً أهلاوي يا بيه. العائلة كلها أهلاوية، وما فيش فيها زملكاوي واحد». ومنذ فترة عثرت مصر على هوية ثالثة جامعة وموحدة. وكنت مدعواً إلى عشاء على النيل، عندما بدأ الضيوف يستأذنون، الواحد بعد الآخر، والبعض اعتذر واعداً بالعودة بعد المباراة. واعتقدت أن الذي يحمل كبار القوم على المغادرة مباراة بين الأهلي والزمالك. لكن قيل إنها مباراة بين برشلونة وليفربول. إسبان وإنجليز. محمد صلاح وميسي. وفرغت شوارع القاهرة. وخلت كباريها. ولم تعد بين شطين وميّه.

وفي مصر كرتان: الأرض والكورة. وكادت تشتعل حرب بين مصر والجزائر كتلك التي قامت بين هندوراس والسلفادور. لكن العرب أعقل. أحياناً. والآن هناك نجمان في عالم الكرة الدولية: زين الدين زيدان، الذي صار مدرباً، ومحمد صلاح الذي صار نجماً. الأول اشتهر عندما نطح لاعباً إيطالياً نطحة كادت تخطف أنفاسه، والثاني كتبت «التايمز» اللندنية أن سره في عذوبته. يسجل أهدافه مثل فراشة. وكلما سجل هدفاً لمصر فليحيا ليفربول، لا أهلي ولا زمالك ولا «ألتراس» ولا خناقات. إذا كانت كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في العالم، فإن صلاح قد وضع مصر على خريطتها.

أسهل وأوسع ابتعاد عن السياسة هو الرياضة. وإنني أشعر مع إخواننا البريطانيين حين يضطرون لأن يهتفوا في منازلهم بعد ظهر كل أحد للاعب مصري. لكن الكرة هي اللعبة الأكثر كونية. ولون القدم ليس مهماً.

عندما جئت القاهرة آخر مرة، استقبلني الزميل أسامة سرايا في «الأهرام» التي كان رئيس تحريرها. وهذه المرة استقبلني في مزرعته حيث يربي الأغنام والماعز ويزرع النخيل، ويعطي لكل نخلة اسم صديق يرحل. وقد رويت له حكاية وزير الداخلية الفرنسي شارل باسكوا الذي ذهب يمثل بلاده في احتفال بلد أفريقي. فاقترب منه أحد المحاربين القدماء وقال له: «لي أمانة عندك. أرجو أن تنقل تحياتي للجنرال ديغول». فرد باسكوا: «أعدك أن أفعل ذلك، لكن ليس قريباً». ورجوت الزميل أسامة أن يؤجل نخلتي إلى أبعد موعد ممكن. بعد تنحي الرئيس مبارك، انتقل سرايا من رئاسة تحرير «الأهرام» إلى كاتب أسبوعي فيها. عرفت الصحافة أفضل عصورها مع حسني مبارك، وعاشت مرحلة مضحكة - درامية مع الرئيس السادات، الذي أدخل الصحافيين السجون وأرسل سعداء الحظ منهم مديري مصنع باشا للأحذية. وما زالت صحافة مصر هي الأكثر حيوية في المنطقة. ذهبت إلى «الأهرام» إلى ندوة مع رئيس تحرير «الأهرام العربي» الأستاذ جمال الكشكي، أحد وجوه الصحافة الشابة. وسألني ما هي أمنيتي في الدار، قلت أن أرى «الدور السادس»، الذي عُرف «بدور الخالدين»، حيث كانت مكاتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس والدكتورة بنت الشاطئ والدكتور حسين فوزي. ويروي الأستاذ محمد سلماوي في مذكراته أن محفوظ أعطي مكتب الحكيم بعد وفاته. لكنه رفض الجلوس في مقعد صديقه، جالساً أبداً على كنبة الضيوف.

إلى اللقاء...

نقلا عن الشرق الأوسط