كتب : مدحت بشاي
 
الوطن للمواطن ليس بالضرورة مساحة أرض وماء وهواء وسماء وبشر يتوه بينهم لأن لهم ذات البشرة وبملامح تتقارب في الشبه والروح، ويتحدثون لغته وتجمعهم به جنسية مشتركة ... الخ .. فقد يكون الوطن عقيدة أو مذهب أو دين ، وقد يكون الوطن هدف أو فكرة أو حتى حلم ، وعليه فإن مفهوم الاغتراب لم يعد الاغتراب عن وطن وعشيرة وقوم في كل الأحوال ، فقد بتنا نطالع الاغتراب في الوجوه والملامح لبشر قهرتهم فكرة أو لفظتهم مساحات البلادة والتخلف ، أو قزمت قامتهم قوى فوقية تمارس الفرز والتمييز ، أو همشت وجودهم الإنساني البسيط طواغيت الفكر الظلامي السلفي المقيت ، أو أوصدت في سبيل إبداعاتهم ورؤاهم الإنسانية كل الأبواب .. فيعيش المواطن في النهاية خارج ذاته ، ولأن ذاته كانت الوطن الأولى بالانتماء فقد عاش حالة اللا منتمي في وطن يراه بلا ملامح أو خصائص فكان الاغتراب في الزمان أو المكان وبتنا نطالع وجوه بشر توقف بهم الزمن ولم يعد لهم حلم معايشة الواقع أو حتى الهروب إلى مستقبل افتراضي ..
 
لا شك أن أجهزة الإعلام بقدر ما تمثل من مؤشر لقياس حال المواطنة في أي مجتمع ، فهي قد تؤثر سلباً أو إيجاباً في دعم وتوطين ثقافة المواطنة لدى الشعوب .. ولعل المجال يضيق بمناقشة تلك المؤشرات التي تدلل بها وسائل الإعلام على حال المواطنة ، وأيضاً حالات الإعلام المؤثر في تنمية وتفعيل المواطنة في مجتمعنا المصري .. وأرى أننا الآن نرصد نوعيات من الإعلام يتجه إلى صياغة نماذج إيجابية في حالات قليلة ،  وصياغة أخرى سلبية في حالات هي الأكثر وجودا وانتشارا للأسف  ..
 
ولكن للأسف هناك العديد من الصور والنماذج الإعلامية الجديدة التي تحاول أن تُحدث قدراً من التوازن عبر اللعب على محاور متضادة الأهداف والاتجاهات في تصور أن ذلك يتيح لها قاعدة أكثر اتساعاً من القراء أو المستمعين أو المشاهدين ، فتكون النتيجة تراجع المصداقية وبهتان المشهد الإعلامي والتأثير السلبي على حال المواطنة ، وهو إعلام يتصور صانعوه أنهم يقدمون نموذجاً حراً مستقلاً ..
 
أيضاً هناك بعض القنوات الفضائية الدينية المحدودة العدد ، ونوعية من الصحف القليلة التي تعمل بشكل جاد وأمين وصادق في مجال إثراء الوعي الديني والروحي النبيل ونشر المفاهيم التي تعلي من قيم الانتماء للأديان وتوظيفها في الدعوة إلى الإصلاح والتقدم والمزيد من العمل الجاد والإنتاج الطيب ونبذ العنف ورفض التزيد في أشكال التدين المظهري .. الخ ،وأرى ضرورة  أن تجد هذه المنابر الإعلامية المعتدلة دعماً مجتمعياً لمجابهة هذه الموجة الشرسة من قنوات وصحف أخرى تعمل وفق رؤية متعصبة وطائفية بتنا نستشعر خطورتها وتأثيرها في الشارع والمسجد والكنيسة ، بل وداخل بيوتنا عبر رسائلها السلبية التي تضخمت من حيث المحتوى وأعداد متابعيها واجتذاب كوادر من الشباب المحدود المعرفة والتجربة والخبرة بدعوى العمل من أجل حماية الأديان والمعتقدات عبر رسالة رئيسية يتم تكرارها أن هناك نظماً وحكومات لا تحكم بعدل الأديان وشرائع السماء وأن الفضيلة تنتحب والعقيدة تتوارى أحكامها ونواهيها ودعواتها المقدسة في مجتمع يرونه يسعى إلى تحقيق تقدم أرضي زائف !!.. وللمقال تتمة في " بشائيات " قادمة ..