منى أبوسنة
منى أبوسنة
التحية واجبة للدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، المبدع الجسور، وسبب التحية مردود إلى المبادرة الشجاعة التي قام بها، وأيده فيها الرئيس السيسى والحكومة. وهذه المبادرة تتمحور حول تحويل المناهج الدراسية إلى نسق إلكترونى متمثل في جهاز التابلت. وقيل إن الهدف من هذه المبادرة هو القضاء على نسق التعليم القائم على التلقين والحفظ والتذكر، الذي من شأنه القضاء على التفكير الإبداعى المستقل. وعند البدء في تنفيذ مبادرة الوزير حدثت سلسلة من المعوقات والمقاومات من أطراف متعددة بدأت من داخل الوزارة وامتدت إلى المدارس وانتهت بأولياء الأمور، وقد نتج عن كل ذلك تعثر في تنفيذ المبادرة في التوقيت المنشود. مما استدعى تأجيلها لمدة عام دراسى.

والسؤال الآن: لماذا الهجوم والمقاومة ضد مشروع ينشد تحرير نسق التعليم من وباء الكتب الخارجية والدروس الخصوصية، والذى يكلف الأسرة المصرية نحو ٣٠ مليار جنيه سنوياً؟!

في الماضى القريب حاول فريق من وزراء التربية والتعليم المهمومين القضاء على ذلك الوباء ومحاربته. وأخص بالذكر الدكتور فتحى سرور عندما كان وزيرا للتربية والتعليم والدكتور حسين كامل بهاء الدين. وأذكر أنه في لقاء خاص مع الدكتور فتحى سرور ولفيف من أساتذة الجامعة الذين أيدوا مشروع الدكتور مراد وهبة عن «الإبداع والتعليم العام» أن الدكتور فتحى سرور أسر لنا بموقف فارق حدث بينه وبين اللواء عبدالحليم موسى، وزير الداخلية الأسبق، عندما طالبه الدكتور سرور بالقيام بحمله للقضاء على مافيا الكتب الخارجية المتمركزة في شارع الفجالة فكان رد عبدالحليم موسى اترك الفجالة في حالها ولا تحاول الاقتراب منها وكان ردا حاسما. حدث ذلك فيما بين عامى ٨٧ و٨٨ والنتيجة المترتبة على هذا الموقف كانت القضاء على مشروع الإبداع والتعليم العام في مهده.

وغنى عن البيان أن بقاء الفجالة يرتبط ارتباطًا شرطيًا بوجود الدروس الخصوصية.

أما السؤال: لماذا اتخذ وزير الداخلية الأسبق موقفًا قد يبدو حياديًا تجاه تجارة الكتب الخارجية، بينما هو في حقيقته موقف يتسم بالتأييد.

حدث ذلك أثناء حكم الرئيس مبارك الذي عقد اتفاقا سريا بين حكومته وتنظيم الإخوان الذي كان يشاع عنه أنه «محظور»، بينما هو مطلق الأيدى والمخالب يرتع بحرية مطلقة في مجال التعليم العام مسيطرا على مداخله ومخارجه، ولم يكن هذا الاتفاق غير المعلن جديدا بل كان امتدادا للتحالف الذي تم بين مجلس قيادة الثورة برئاسة جمال عبدالناصر وتنظيم الإخوان منذ ١٩٥٢، ومنذ ذلك التاريخ وتنظيم الإخوان يعمل بجد ونشاط من أجل تطبيق معتقداته الأصولية، وفى مقدمتها القضاء على إعمال العقل لصالح السمع والطاعة.

أما تحويل هذا المعتقد إلى آليات إجرائية فيتمثل في ضربين: أولا الكتاب المقرر القائم على التلقين والحفظ والتذكر، وثانيا الدروس الخصوصية من أجل تثبيت المبدأ الأول.

وقد كان من الطبيعى، بل من الحتمى، القضاء على أي محاولة لتغيير هذا النسق الإخوانى السائد. عبثًا حاول بعض الوزراء على مدى عقود القيام بما أُطلق عليه «تطوير التعليم» بيد أن النتيجة كانت في رأيى المزيد من «تطوير» النسق الإخوانى لكى يصبح أكثر تأثيرا على المجتمع.

وعندما حدثت الانفراجة في ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ التي مهدت الطريق لانتخاب الرئيس السيسى رئيسا للجمهورية أصبح الظرف مواتيا للاقتراب من الوباء الإخوانى المنتشر في التعليم، بل ومحاربته إلى حد القضاء عليه. وقد تمثل ذلك في مبادرة الدكتور طارق شوقى في استبدال النسق القديم بنسق التعليم بالتابلت.

والسؤال المهم هو: هل تنطوى مبادرة الوزير طارق شوقى على تصور سحرى لا عقلانى يقوم على أن مجرد استخدام التابلت سوف يقضى بشكل آلى على نسق التعليم القائم على التلقين والحفظ ويطلق الطاقات الإبداعية للطلاب.

الجواب: لا.. فالدكتور طارق شوقى يمتلك عقلية علمية عقلانية بوصفه أستاذا أكاديميا في مجال الهندسة، كما أنه قاد تنفيذ العديد من المشروعات حول العالم في مجال تطبيقات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في التعليم والعلوم والثقافة، كما أنه يمتلك قدرة على الإدارة المبدعة تمكنه من ابتكار حلول غير تقليدية للخروج من الأزمات، وهو ما فعله من خلال مبادرته.

والسؤال إذن: إذا لم يكن الهدف من إحلال التابلت محل الكتاب الخارجى والمدرس الخصوصى ينطوى على تصور سحرى يستند إلى عامل واحد هو جهاز التابلت، من أجل تأسيس نسق تعليم إبداعى وهو هدف بعيد المدى، فما هو الهدف قريب المدى والعاجل الذي من أجله طرح وزير التربية مبادرته في الوقت الحالى؟ الهدف هو إحراز ما فشل في إحرازه فريق وزراء التعليم في عهد مبارك، وأعنى بذلك القضاء على تغلغل تنظيم الإخوان في التعليم داخل الوزارة وخارجها من خلال الفجالة ومراكز الدروس الخصوصية.

فالمتابع لآليات استخدام التابلت يجد أن الكتاب المقرر الذي تصدره الوزارة قد تحول إلى نسخة مرئية على التابلت. أما شرح الدرس وهو الدور الذي يقوم به المدرس الخصوصى بديلا عن المدرس الرسمى فقد أصبح متاحا ببنك المعرفة الذي تمت برمجته وربطه بالكتاب المدرسى وبكل مدرس على حدة، وذلك يمكن الطالب من قراءة الدرس بمفرده وإذا تعذر عليه فهم أي جزء من أجزاء الدرس لجأ إلى بنك المعرفة ليشرحه ويفسره له.

وبذلك يستغنى الطالب عن الكتاب الخارجى والمدرس الخصوصى ومراكز الدروس في خطوة واحدة.

وهذا في تقديرى هو جوهر مبادرة وزير التربية والتعليم وهو القضاء العاجل والمبرم على تغلغل تنظيم الإخوان في التعليم، وبذلك يمهد ويفتح الطريق لتأسيس نسق جديد يقوم على الإبداع العقلى وهو الهدف طويل الأجل.. مره أخرى تحية لوزير التربية والتعليم طارق شوقى.
نقلا عن المصرى اليوم