د. مينا ملاك عازر
تحدثنا في المقال السابق بإسهاب شديد عن دور الجيوش في تدعيم الثورات في شتى ربوع العالم، وهذا لا ينتقص من دور الثورات ورغبة الشعوب، ولا ينعتها أطلاقاً بكونها انقلاب، فما لا شك فيه أن الشعب قبل الجيش أراد هذا، وأعلن عن إرادته هذه، ولذا أن لم أضع ثورة الثالث والعشرين من يوليو مثلاً لأنها أبداً لم تكن ثورة، فهي انقلاب، بدأ بحركة داخل الجيش نجحت، فاستحالت لانقلاب، ثم أسموه ثورة، أعرف أنني بهذه الكلمات أغضب الكثيرين، لكنها الحقيقة التي أعلنوها رجال الحركة أنفسهم، الأهم أنني أثمن دور الجيوش، ولا أقصد بها شيء رديء في مقالي السابق، بل أؤكد على أهمية دورها في دعم الإرادة الشعبية لإنجاح ثوراتهم ضد الطغاة والمستبدين.
 
الأزمة الثانية التي تواجه باقي الثورات بالذات في العالم الثالث هي أزمة الرجل الثاني، فكلهم اختيارات رأس النظام، ذلك الرأس الذي يعاني أول ما يعاني من الإطاحة، وتقصده الثورة في البداية، لكن الثوار سرعان ما يكتشفوا وهم يطيحون بالرأس أنه يقف فوق جسم كبير كله يتبعه، سواء مباشرة بالشكل العادي الذي يتبع أي جسم رأسه حيث المخ وهم العضلات أو يتبعونه أيديولوجياً فينتهجون نفس نهجه الاستبدادي أو على الأقل يتبعونه من الناحية الإنسانية حيث أنهم يكونون مدركين تمام الإدراك بأنهم صنيعته، وأنه هو من اختارهم فيكونون باقين على جميله.
 
الأزمة تتفاقم حين يشعرون أن الشعب الذي ربما ينحازون له لغريزة حب بقاءهم في السلطة الذي أطاح برأسهم قد يثور عليهم إما عاجلاً أو آجلاً، وذلك وببساطة يرجع إما لتكشف الثوار ضرورة التخلص من الجسد الذي يتصل بالرأس بتلك الأسباب سالفة الذكر، والتي تجعله يعمل لمصلحته ولأجله وبفكره، أو ربما لأن عضو من تلك الأعضاء يرتقي نتيجة لمواقف يدعيها أو لعدم وجود بديل معارض بين صفوف الثوار بالذات، هذه النقطة الأخيرة تنطبق على ثورات الربيع العربي الأخيرة، أقول ربما عضو من أعضاء الجسد التابع للرأس يرتقي ليكون رأس، وهنا تكمن الأزمة، فأيديولوجيته الموالية للرأس السابق، وخشيته من أن يلقى ذات مصير الرأس السابق، وقلقه من ذلك الشعب، تجعله يكون أشد ضراوة وإن كان أقل وضوح في ضراوته، وربما ينتهج نهجج انتقامي وتنكيلي من أولئك الذين أطاحوا بالرأس السابق، صاحب الجميل في وجوده في المنظومة التي أوصلته ليكون رأس جديد أو على الأقل هو يحمل ذات الأفكار الديكتاتورية بحكم بقاءه داخل المنظومة لسنوات طويلة قبل أن تواتيه الفرصة ليكون رأس لنظام يحمل نفس أفكار ونهج النظام السابق، وإن كان ذلك بتطور بسيط وبشكل مختلف لكن الجوهر واحد.
 
وهنا تكمن الأزمة الثانية، وهو مواجهة الشعب مصير انتقامي أو منهج أشد فتكا أو يتواجه مع صنيعي النظام الذي ثار عليه، مما ينقلنا للأزمة الثالثة والأخيرة وموعدنا معها المقال القادم إن عشنا وكان لنا نشر.
 
المختصر المفيد القادة الحقيقيون لا يصنعون أتباع لهم، إنهم يصنعون مزيد من القادة. ساكيا سانديفر.