د. مينا ملاك عازر 
بمناسبة التغريدة المرعبة التي غرد بها ترامب بإعلانه أن أمريكا تقبل بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية، وبمناسبة موجة الغضب التي اجتاحت الشعوب العربية بسبب تلك التغريدة التي فتحت جراح ما صدق حكام عرب كثيرون أنها اندملت، وظنوا أنها تم مداوتها، وأن بقاء الأمر هكذا بدون حراك لأمر في مصلحتهم، وربما في مصلحة أبنائهم وربما أحفادهم. 
 
موجة الغضب الشعبي هذه تجعلني مضطر بداية لأن أعيد التذكير برواية لم ولن أمل من تكرارها مراراً وتكراراً وأروي القصة الحقيقية، كما ذكرها السيد إسماعيل فهمي -وزير خارجية مصر الأسبق- في مذكراته التفاوض من أجل السلام، أنه في 13/2/1974 انعقدت قمة رباعية بالجزائر بين مصر والسعودية وسوريا والجزائر، وفي أحد الاجتماعات توتر الموقف حتى قال الملك فيصل للرئيس السوري حافظ الأسد متسائلاً في استفزاز عن سر قبول سوريا المبكر لوقف إطلاق النار في حرب الأيام الستة "نكسة يونيو 1967" وعن إذا ما كان القائد العسكري للقنيطرة السورية قد استلم من إسرائيل 300 مليون دولار ليساعدها في تسليم القنيطرة، الأمر الذي تُرجِم على أرض الواقع بأن سُلِمت القنيطرة بدون أن تطلق طلقة نار واحدة "القائد عسكري حينها لمدينة القنيطرة هو حافظ الأسد نفسه"؟! طبعاً حضرتك ستسألني، وماذا كان رد الرئيس حافظ الأسد؟ فسأقول لك أن ما حدث أن الرئيس السادات رفع صوته ليغطي على كلمات الملك السعودي، فلم يسمع الأسد سؤاله وكلماته النارية وكأن السادات كان يعلم شيء عن هذا، أو قل لم يرد الصدام بين الطرفين، طبعاً سر ما فعله السادات سيبقى في ضميره، وهو الذي تلقى الآلاف من تهم التخوين ليومنا هذا، ولم ينطق، ولم يقل ما قاله الملك السعودي، بل حتى لم يشر له، ومن رواه هو إسماعيل فهمي وزير الخارجية الذي استقال، وعاداه عندما قرر السادات الذهاب للقدس، أي من ليس له مصلحة في تشويه صورة من هاجموا السادات، ولا مصلحة في أن يدافع عن السادات.
 
أنا هنا لا أدافع عن السادات، ولا عن مبارك ولا عن إسرائيل بطبيعة الحال، لكنني فقط أنبه إلى أن من خان بلاده - إن كان قد خانها- هو من صرخ وخون الآخرين، ومن قبض الثمن - إن كان قد قبض- في منأى عن الاتهام، والسؤال الآن، هل بلادنا العربية فريسة لحكام لم يقدروها أم أن هناك من يحاولون أن يشككوا في الكل وهم الذين يستحقون الشك فيهم؟ أما السؤال الأكثر إلحاحاً الآن وبعد غياب الصوت العربي، هل لا زلنا ننتظر صفقة القرن؟ أم أن بوادرها تتكشف بالتخلي عن الجولان؟ وربما بعض المساحات الأخرى من بعض البلاد المجاورة في مقابل مراضاة الفلسطينيين والإسرائيليين والأهم الأخيرين. 
 
بالطبع تغريدة ترامب الكاشفة عن سياسات ممالئة لإسرائيل، تحرج الحكام العرب الذين لم يكونوا يوماً في حسبانه، إلا إذا كانوا ممولين لبلاده وخزينتها لشراء سلاح لن يستخدموه إلا لمقاومة إيران العدو اللدود لترامب الذي استحدثه بعد أن كادوا يتفاهمون في أيام الإدارة الديمقراطية السابقة، لكن النهم للمال العربي والنفط العربي يدفع ترامب لتسفيف بعض المتغطرسين التراب، واستغلال بعض الديكتاتوريين والذين لا خبرة لهم في عالم السياسة، وألقوا بثقلهم وراء صفقة لا ولن يربح منها إلا الأمريكيين والإسرائيليين.
 
المختصر المفيد باعوا بلادهم وقبضوا الثمن، والآن يدعون النبل والشرف والمقاومة.