مدحت بشاى
كما هو معروف أن «التراجيديا»، دراما شهد ميلادها المجتمع الإغريقى القديم، بذلك الفهم الأسطورى الذى يتم فيه تضخيم الأحداث، ومنحها شكل وصفة الخوارق، فقدرة الشعب الإغريقى على التفاعل مع هذه الأساطير، وربطها بالحياة العامة كانت كفيلة بتشكيل الهيكل الذهنى للإنسان اليونانى فى المراحل الأولى من تاريخه الحضارى.

فى امتداد لذلك التفهم الدرامى، يقول «دوستويفسكى» عبر رائعته التراجيدية «الإخوة كارامازوف»: «إن الإنسان متى جحد أسرع بجحد الرب. لأن ظمأه هو إلى العجائب لا إلى الرب. وأنه لكونه لا يستطيع أن يحيا بغير معجزات، سيخلق لنفسه معجزات فيهوى بنفسه إلى خرافات سحيقة. إنك لم تنزل من على الصليب حين دعاك الجمهور إلى ذلك من باب الاستهزاء قائلا (انزل عن الصليب فنصدق أنه أنت)، لم تنزل لأنك لم تشأ أن تستعبد البشر بمعجزة. إنما أردت أن يجيئوا إليك بتأثير الإيمان وحده لا بتأثير الإيمان الذى تلده العجائب».

وتعال عزيزى القارئ لعرض تفصيلة من تراجيديا يوم الصلب الذى يعيش ذكراه اليوم أتباع السيد المسيح كما جاء فى إنجيل «مرقس».

«وَلِلْوَقْتِ فِى الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلَاطُسَ. فَسَأَلَهُ بِيلَاطُسُ: أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ تَقُولُ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا. فَسَأَلَهُ بِيلَاطُسُ أَيْضًا قَائِلًا: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ!. فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلَاطُسُ وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِى كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ طَلَبُوهُ. وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِى الْفِتْنَةِ، الَّذِينَ فِى الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلًا. فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِمًا يَفْعَلُ لَهُمْ. فَأَجَابَهُمْ بِيلَاطُسُ قَائِلًا: أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟. لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. فَأجَابَ بِيلَاطُسُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِى تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟ فَصَرَخُوا أَيْضًا: اصْلِبْهُ!. فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟ فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا: اصْلِبْهُ!».

وفى مشاهد الاقتراب من نهاية فصول تراجيديا « يوم الصلب»، فلنقترب من صــورة الحكم الذى نطق به بيلاطس البنطى والى ولاية الجليل على يسوع الناصرى، والذى اكتشف فى سنة ١٢٨٠م بمدينة أكويلا من أعمال نابولى، أثناء البحث عن الآثار الرومانية، وبقى فيها إلى أن وجده المندوبون العلميون الذين رافقوا الجيش الفرنسى حيث نشبت الحرب فى جنوب إيطاليا محافظًا عليه فى علبة من الخشب الأبنوس فى خزانة الأمتعة الكنائسية بدير رهبان الكارتوزيان القريب من نابولى، ثم نقل هذا الأثر الجليل إلى كنيسة كازيرنا، وبقى فيها إلى أن تصرح لرهبان دير الكارتوزيان بناء على طلبهم بحفظه عندهم جزء لهم من الضحايا التى بذلوها للجيش الفرنساوى فى إيطاليا، وكانت ترجمته إلى اللغة الفرنسية حرفًا بحرف بمعرفة أعضاء اللجنة العليا ويحصل رينون على رسم هذا اللوح، ولما مات بيعت مكتبته واشترى اللورد هارود رسم اللوح المرسوم بمبلغ ٢٨٩٠ فرنكًا ومن مطابقة الأسباب الواردة فى هذا اللوح لما هو وارد فى الإنجيل، يستدل على عدم وجود شبهة تاريخية تنفى وجود هذا اللوح.

فى السنة السابعة عشرة من حكم الإمبراطور طباريوس الموافق لليوم الخامس والعشرين من شهر مارس بمدينة أورشليم المقدس فى عهد الحبرين حنان وقيافا حكم بيلاطس البنطى والى ولاية الجليل الجالس للقضاء فى ندوة مجمع الرقورين على يسوع الناصرى بالموت صلبًا بين لصين بناء على الشهادات الكثيرة المبينة المقدمة من الشعب المثبته أن يسوع الناصرى:

أولًا: مضل يسوق الناس إلى الضلال.

ثانيًا: يغرى الناس على الشغب والهياج.

ثالثًا: عدو للناموس.

رابعًا: يدعو نفسه ابن الله.

خامسًا: يدعو نفسه كذبًا أنه ملك إسرائيل.

سادسًا: دخل الهيكل ومعه جمع غفير من الناس حاملين سعف النخل.

فلهذا يأمر بيلاطس البنطى كورنليوس قائد المئة، بأن يأتى بيسوع المذكور إلى المكان المعد لقتله وعليه أيضًا أن يمنع كل من يتعدى لتنفيذ هذا الحكم فقيرًا كان أو غنيًا.
نقلا عن الدستور