عادل نعمان
الاتهامات التى تُكال إلينا من تيارات الوصاية والولاية والخلافة الإسلامية، ومحتكرى العقيدة الصحيحة، والديكتاتورية الدينية، لا تخرج عن هدم ثوابت الدين، والقدح فى إسلامنا الحنيف، والنّيل من السّنة المطهرة، والطعن فى كتاب البخارى، أصدق كتاب بعد كتاب الله، وتعطيل إقامة دولة الخلافة الراشدة، وغيرها الكثير، اعتدنا عليها وألفناها، إلا أن بعضهم قد زاد عليها «كتاب الفجأة»، وأعتقد أنهم يقصدون كتاب «البغتة»، دون إنذار أو مقدّمات، كالموت المفاجئ الذى يأخذ الإنسان على غرة، لا يهم، فالاستعداد للسباق يأخذ وقتاً أكبر من السباق ذاته، والكاتب والمفكر يحتاج إلى صناعة وإعداد قد يستغرق وقتاً من عمره أكبر من زمن المواجهة والمحاورة والمجادلة نفسها، وهو مجال شاق ومخيف، ويحتاج أيضاً إلى ظروف مناسبة، ووقت ملائم ومقبول، وعقول حرة تحكم توقيت «البغتة» هذا، ولا يعيبه ولا ينقص منه، بل يمدحه ويزيد من قدره ومقامه، والعبرة بالخواتيم.

ولسنا مكلفين من أحد بهدم ثوابت الدين، فهو ديننا وعقيدتنا، فكيف نهدم ما ورثناه؟ بل نحن حريصون عليه، حرصنا على الأديان كلها، فهى مصدر التوازن النفسى، والرضا النسبى العام، فلا سلام مجتمعياً دونه، ولا صدام مجتمعياً إلا بغيابه، ولا نقبل غلو أو استعلاء أو استقواء دين على الآخر، وهو هدم لأركان الدولة وتحويلها إلى قبيلة أو عشيرة، وتخطتها البشرية من آلاف السنين.

يهدم ثوابت الدين هؤلاء الذين يدعون الشباب للجهاد والقتال على المنابر وشاشات الفضائيات، ولا نرى لأولادهم أثراً فى طوابير المجاهدين، بل هم فى طوابير الهندسة والطب والبزنس فى جامعات أوروبا وأمريكا، وشواطئ أوروبا للاستجمام والاستحمام، ولو رأيناهم لصدقناهم.

يهدم أركان الدين هؤلاء المتاجرون بالدين من مشايخ المليارات، الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا نسمع عن متبرع لبناء مستشفى أو مدرسة، ولو أنفقوا لسمعنا وعلمنا وشكرنا وحمدنا.

يقدح فى الدين هؤلاء الذين صوّروا نبينا الذى جاء رحمة للعالمين، بأنه جاء بالذبح، وذبح من بنى قريظة تسعمائة من الرجال والغلمان فى يوم واحد جراء خيانة البعض منهم، والأصل فى الحكم «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى».

يقدح فى الدين من يصوّر لنا الرسول بأنه قد «سُحر حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشىء وما فعله»، يخيل إليه أنه يجامع نساءه وهو لم يجامعهم، كيف وقد صنعه ربه على عينه، وعصمه من شرور الناس «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»؟ وكيف يستنكر ربه أن يكون رجلاً مسحوراً، ويصرون على مخالفة ما جاءنا عن ربه «نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا».

يهدم ويسىء إلى الدين من يصر على أن الرسول حاول الانتحار خمس مرات من شواهق الجبال «لما فتر الوحى حزن الرسول وغدا منه مراراً كى يتردى من رؤوس شواهق الجبال، ولا يسكن ويهدأ إلا إذا تبدى له جبريل فى كل مرة، ويقول: «يا محمد إنك رسول الله حقاً، فيسكن وتقر نفسه»، فلما حدثت لمرة واحدة، ألم يكن يكفيه ألا يكررها؟ وجبريل حامل الوحى، ومنزل التشريع، يعرفه ويطمئن إليه؟ ولما كانت رواية التردى هذه عن «الزهرى» وليست عن «عائشة»، «كما يعقبون»، فكيف يكون لها من سبيل وطريق إلى كتاب «البخارى» محمولة ومحسوبة ومرفوعة إلى نبينا الكريم؟، وليست على «الزهرى» أو غيره.

يهدم أركان الدين من يرفع أعمال وأقوال الخلفاء والعلماء والفقهاء إلى مقام التنزيل والقرآن، ويلزمنا ويجبرنا عليها.

يهدم أركان الدين من «ينسخ القرآن» بمرويات البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه وأبوداوود وكلها منتج بشرى، يحتمل فيها الصواب كما يحتمل فيها الخطأ، وعندنا كتاب الله «لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا».

يهدم أركان الدين من يشرع لقتل الناس بالباطل دون سند قرآنى، فما جاءوا بآية الرجم التى أكلتها الداجنة، وحديث قتل المرتد إلا مخالفاً لما جاء به القرآن.

يهدم أركان الدين نساخ مصاطب التاريخ، ينسخون على هوى الحكام يقتلون ويذبحون ويسلبون أموال الناس بالباطل تحت دعاوى نسخ آيات الصفح والموادعة والرحمة بآيات السيف، نتلوها بالشفاه ولا يُعمل بها «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»، «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»، «وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ»، هذا هو نبينا الذى كان قرآناً يمشى على الأرض، وكان خلقه القرآن، ولن نتنازل عنه، فكيف أقبل كل هذه الدماء، وهذه التفجيرات، وهذا القتل باسم الإسلام وتحت لواء نبينا الكريم الرحيم؟

ببساطة وبصراحة مطلقة نحن مع دين الله الرحمن الرحيم اللطيف الخبير العزيز الغفور الحق العدل العليم رفيع الدرجات «أَوَلَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»، هذا ما بيننا وبينكم، و«إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ»، و«يبور» يعنى يهلك ويفسد، هذا نحن، فمن أنتم؟.
نقلا عن الوطن