كتب:مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
 
لقد ظللت ومنذ زمن بعيد وعبر العديد من كتاباتى واللقاءات والحوارات الإعلامية أُعرب عن غيظى ودهشتى أيضاً من إطلاق مسميات " المسيحية المعتدلة " على لسان القيادات الكنسية والمعنيين بأمر تنظير حلم التعايش ، ، ويطلق كذلك أبناء " الأزهر الشريف " مصطلح " الإسلام الوسطي " على من يتبعون تعاليم  الدين على النهج الأزهري ، وهو ما يعنى ذهاب رجال الدين وقادتهم الروحيين إلى شكل وصيغة لتسييس الدين وتطبيق مسميات وأوصاف غير روحية على أديان لها عند أتباعها اليقين الإيمانى بأن تعاليمها وقوانينها ونواميسها وعباداتها هى ثوابت غير قابلة لتبديل أوصافها، وهى تذهب للتلميح أن لكل جماعة " الوصفة أو التركيبة " الأيسر والمقبولة، وكأننا أمام فاترينات لعرض الدين ــ لاسمح الله ــ بموديلات مختلفة، بينما نحن أمام «إسلام» واحد و " مسيحية " واحدة ، وعليه أرى أنه ينبغى  فى مقدمة سعينا لتغيير الخطاب الدينى التوقف عن إطلاق تلك الأوصاف ، وأن يؤكد رجال الدين على فكرة " هذا هو إسلامنا " و " تلك مسيحيتنا "  و " هذه كتبنا المقدسة " لا تلين فجأة ثوابتها فتقبل الخروج عن تعاليمها " ولا تتشدد فجأة فتضيف ما يحيل حياة الناس إلى عذاب مقيم " ..
 
مع ازدياد وتيرة موجات التشدد والتطرف، ووصولاً إلى امتداد عواصف الإرهاب إلى كل بقاع الدنيا، ولأن الدنيا استحالت قرية كونية صغيرة تطير فى سماها فى نفس اللحظة والتو الأفكار ذاتها المنتجة للشرور والأطماع، فإن توظيف تلك الأفكار التى يلبسونها آيات الأديان تبقى جاهزة لتفجير حالة السلام خدمة لأهداف مؤامرات سياسية عبر تحالفات عالمية شريرة.
 
وهنا ننتقل من حدوتة التوصيفات السياسية للأديان من وسطية ومعتدلة ومتشددة وأصولية، إلى أديان تنتسب إلى أجناس وقوميات، ودول مكتوب لها أديان على اسمها لمزيد من التفتيت وضياع لفكرة سماحة الأديان التى كانت تجمع، ونسعى الآن لجعلها من أدوات الفرقة والكراهية ..
 
بينما كنت أمارس عملى بإحدى مؤسسات دولة عربية عشت على أرضها سنوات، دخل مدير المؤسسة بصحبة زميل جديد ليقدمه لنا، وعرفت أنه قادم من جنوب دولة عربية شقيقة، وقال إنه ترك زوجته الثانية وأولادها إلى حين التعرف على ظروف عمله الجديد، وعندما أبديت دهشتى لجمعه بين زوجتين وهو مسيحى الديانة، رد عليَّ وهو يلتهم الدجاج المحمر فى أيام صيام مسيحية " مين قال إن المسيحية فيها تعاليم تمنع تعدد الزوجات وتفرض مثل تلك الطقوس والعبادات التى تحدثنى عنها؟! ".. ولما أبديت دهشتى رد على زميلى المسلم " على فكرة، والمسلمين عندهم برضه مختلفين معانا فى بعض مفاهيمهم عن صحيح الدين.. هم لديهم إسلام ومسيحية تخصهم وحدهم" ..
 
ومن منا يمكن أن ينسى كلمة الرئيس الفرنسى " فرانسوا أولاند " فى مؤتمر " الديمقراطية فى مواجهة الإرهاب "، وتأكيده " أنه يجب علينا الكفاح جميعا ضد التطرف والإرهاب، ولابد من العمل على بناء " إسلام فرنسي " ، وأضاف  " أولاند " إن الفرنسيين مع اختلاف دياناتهم والعرق واللون لهم حقوق وواجبات متساوية، ففرنسا لا تميز بين أبنائها وهو سبب قوتها وفخر أبنائها بها... وتابع: " النموذج الفرنسى مهدد، ونرى سباقا لتفكيك النموذج الاجتماعي، وهنا يكمن الخطر لأن النموذج الاجتماعى لابد أن يتم إصلاحه ليكتمل ويتكيف مع التطلعات الفردية "..
 
نعم، إنه النموذج الاجتماعى الذى لم يدرك أهمية ثباته, الرئيس السادات عندما أطلق تصريحه الشهير" أنا رئيس مسلم لدولة إسلامية " فى خلط مرضى متعصب لرئيس كان ينبغى أن يُؤكد على أنه رئيس مصرى لكل المصريين.