بقلم : فاروق عطية
هم سلالة من المماليك حكمت مصر حوالي 267عام (1250 حتي 1517م) أغلبها من الأتراك القبجاق، تملكوا بعد فترة الحكم الأيوبي وتلاهم حكم دولة المماليك البرجية. جاء لقبهم (المماليك البحرية) كونهم كانوا يسكنون جزيرة الروضة وسط نهر النيل بالقاهرة حيث بني السلطان الصالح أيوب بها قلعته ( قلعة الروضة). شكّلوا واحدة من أقوى وأغنى الإمبراطوريات في ذلك الوقت بمصر وشمال أفريقيا وبلاد الشام والشرق الأدنى.
 
عندما توفي الملك الصالح نجم الدين السلطان الأيوبي عام 1249م وقت الحملة الصليبية السابعة بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع، قام المماليك الذين كان يملكهم كعبيد بقتل إبنه ووريثه في الحكم الأمير توران شاه، ونصّبوا شجرة الدُرّ أرملة السلطان نجم الدين سلطانة علي مصر، وعندما احتج أمراء بني أيوب بالشام والخليفة العباسي المستعصم بالله في العراق علي هذا التنصيب بحجة أنها إمرأة، تزوجت الأتابك عز الدين أيبك وتنازلت له عن العرش، وصار أيبك السلطان الذي حكم عام 1250م. عندما شعر أيبك أن للمماليك بقيادة فارس الدين أقطاي قوة كبري تهدد عرشه، قام باغتياله فهرب عدد كبير منهم إلي الشام والكرك وأماكن نائية، وعادوا مرة أخري بعد وفاة أيبك عام 1257م، وأصبح سيف الدين قطز سلطانا.
 
في عام 1258م غزا التتار بغداد ودمروها تماما مما أضعف الخلافة العبلسية بها وصارت القاهرة عاصمة المماليك أكثر أهمية. وعاد المماليك البحرية مرة أخري إلى مصر لمساعدة السلطام سيف الدين قطز في حربه ضد التتار الذين حاولوا عزو مصر. ولما كان المماليك فرسانا أقوياء فقد استطاعوا هزيمة التتار في موقعة عين جالوت عام 1260م مما اضطرهم التراجع إلى العراق. وكان الظاهر بيبرس أحد قادة المماليك في تلك المعركة، وعلموا باغتيال السلطان سيف الدين قطز إبان عودتهم من المعركة.
 
حكم بيبرس مصر بعد رجوعه من معركة عين جالوت واغتيال السلطان سيف الدين قطز سنة 1260م حيث خُطب له بالمساجد يوم الجمعة11 نوفمبر 1260م. بدأ مملوكاً يباع في أسواق بغداد والشام وانتهى به الأمر أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط. لقّبه الملك الصالح أيوب بـ"ركن الدين"، وبعد وصوله للحكم لقب نفسه بالملك الظاهر. ولد بيبرس عام 1233م. حقق خلال حياته العديد من الانتصارات ضد الصليبيين وخانات المغول. كان بيبرس أحد قادة المماليك الذين دافعوا عن المنصورة ضد فرسان الحملة الصليبية 1250م بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا الذي هُزم وأُسر في فرسكور وتم افتداؤه بعد ذلك. وقاد معركة عين جالوت سنة 1260م، انتهاء بمعركة الأبلستين ضد المغول سنة 1227م. وقد قضى أثناء حكمه على الحشاشين واستولى أيضا على إمارة إنطاكية الصليبية، كما انه مدد قوة المسلمين إلى النوبة للمرة الأولى قبيل وفاته. أحيا خلال حكمه الخلافة العباسية بالقاهرة بعد أن قضى عليها المغول في بغداد، وأنشأ نظُماً إداريةً جديدة في الدولة. وتوفي مسموما يوم الخميس 2 مايو 1277م (عمر 54 سنة) بدمشق أثناء رجوعه من معركة الأبلستين، ودفن في المكتبة الظاهرية بدمشق بعد حكم دام 17 عام وتولي الحكم بعده إبنه ناصر الدين.
 
بعد وفاة بيبرس تولي الحكم إبنه الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بركة قان كخامس سلاطين المماليك البحرية. ولد في حارة العُش بالقاهرة سنة 1260م. قبل وفاة الظاهر بيبرس قام بإعداد إبنه الملك السعيد ليرث عرش البلاد من بعده، فكان يصحبه معه في الاحتفالات والعروض والتدريبات العسكرية، أصبح الملك السعيد سلطاناً مشاركاً في الحكم ونائباً لأبيه وقت غيابه خارج مصر، وأخذ له الظاهر بيبرس الأيمان والمواثيق من كبار أمراء الدولة ثم زوجه في عام 1275م، قبل وفاته بسنتين، من "غازية خاتون" ابنة كبير أمراء المماليك الصالحية ليضمن ولاء قلاوون وأمراء المماليك الصالحية. وبعد وفاة بيبرس بدمشق، دعي للملك السعيد على منابر مصر والقاهرة وأقيمت على الملك الظاهر بيبرس صلاة الغائب يوم الجمعة 20 يوليو 1277م. لم يستمر الملك السعيد في الحكم طويلا لعدم مقدرته السيطرة علي أمراء المماليك وسوء معاملته لهم مما اضطرهم للتجمهر ضده وحاصروه في قلعة الجبل وإجبروه علي خلع نفسه من الملك في 17 أغسطس 1279م، خرج من فوره إلى الشام فكانت مدة سلطنته سنتين وشهرين وثمانية ايام، وتولي أخوه سُلامش وكان طفلاً في نحو السابعة من عمره. توفى الملك السعيد بالكرك وعمره نيف وعشرون سنة بعد أن أصيب بحمى بعد سقوطه من علي حصانه في 14 مارس1280م ودفن بجوار أبيه في المكتبة الظاهرية بدمشق.
 
نصب سُلامش سلطاناً ولُقب بالعادل بدر الدين سُلامش ومعه الأمير عز الدين الأفرم نائباً للسلطنة والأمير قلاوون أتابكاً والحاكم الفعلي للبلاد، وبعد مائة يوم، بعد أن نظم قلاوون أموره وسيطر على زمام الأمور، عزل سُلامش وارسله هو الأخر إلى الكرك بدعوى ان حكم البلاد لا يستقيم إلا برجل كامل، وصار هو السلطان.
 
بويع للمنصور سيف الدين قلاوون بالسلطة خلفا للملك الصغير العادل بدر الدين سُلامش في 17 فبراير 1279م. انتصر قلاوون علي التتار بقيادة منكوتمر بن هولاكو في معركة حمص بتاريخ 28 أكتوبر 1281م. عزم السلطان المنصور على استكمال رحلة الجهاد التي بدأها أسلافه ضد الصليبيين، في سنة 1288م فتح قلعة المرقب وبانياس، وفي 1289م فتح طرابلس بلبنان، ثم عزم المسير إلى عكا إلا أن الأجل لم يمهله فكان شرف فتحها لولده الذي خلفه، توفي السلطان قلاوون بقلعة الجبل بالقاهرة في أول ديسمبر 1290م ودفن في تربته الواقعة ضمن ما يعرف بمجموعة السلطان قلاوون في منطقة ما بين القصرين بشارع المعز.
 
بعد وفاة المنصور قلاوون تولي بعده إبنه الملك الأشرف صلاح الدين خليل. ولد بالقاهرة سنة 1267م . نُصب سلطانا 1290م وبقي حتى اغتياله في ديسمبر 1293م. يُعتبر من أبرز سلاطين الأسرة القلاوونية والدولة المملوكية. أشهر إنجازاته فتح عكا والقضاء على آخر معاقل الصليبيين في الشام، بعد أن استمر وجودهم فيها مائة وستة وتسعين سنة. بعد عودة الأشرف من الشام إلى مصر منتصرًا تملكته مشاعر الغرور والتعاظم فراح يعامل الأمراء بخشونة واستخفاف وأصبح يعلم على الأوراق والمستندات بحرف "خ" فقط دون اسمه مما أغضب الأمراء. وفوق ذلك كان الأمراء يكرهون وزيره ابن السلعوس الذي أتى من سوريا، ولم يكن في الأصل أميرًا أو مملوكًا وإنما كان تاجرًا دمشقيًا، وتقلد منصب الوزارة الرفيع بدلًا من الأمير الشجاعي، وراح يغدق عليه الاشرف ويفضله على كبار الأمراء لمكانته. وكان ابن السلعوس يتعالى على الأمراء. في شهر ديسمبر عام 1293م ذهب السلطان الأشرف إلى "تروجة" بالقرب من الاسكندرية في رجلة صيد طيور، وكان في صحبته وزيره ابن السلعوس ونائب سلطنته الأمير بيدرا. طلب الأشرف من من ابن السلعوس الذهاب إلى الاسكندرية لتحصيل العائدات، فنبين لابن السلعوس أن نواب الأمير بيدرا قد حصلوها من قبل، فكتب للأشرف يعلمه بما فعله بيدرا.
 
غضب الأشرف واستدعى بيدرا وعنفه وهدده في حضور الأمراء. خرج بيدرا من لدنه مضطربا خائفا وجمع عددا من الأمراء واتفقوا علي قتل السلطان. في 21 ديسمبر 1293م بينما كان الأشرف يتجول مع صديقه الأمير شهاب الدين أحمد بن الأشل، جاء بيدرا والمتآمرين معه واغتالوه بسيوفهم. بعد موت الأشرف خليل اتفق الأمراء وعلى رأسهم سنجر الشجاعي على إخفاء الأمر لبعض الوقت وعلى تنصيب أخيه الصغير ناصر محمد سلطاناٌ على البلاد ومعه كتبغا نائبًا للسلطنة والأمير الشجاعي وزيرًا. وكان الناصر محمد صبيًا في نحو التاسعة من عمره. وأرسل للحكام في الشام على لسان الأشرف مضمونه: " إنّا قد استنبنا أخانا الملك الناصر محمدًا وجعلناه وليّ عهدنا حتى إذا توجهنا إلى لقاء عدو يكون لنا من يخلفنا". وطلب من أمراء الشام تحليف الناس للملك الناصر محمد وأن يقرن اسمه باسم الأشرف في الخطبة. وبعد أن استقرت الأمور ورتب الأمراء أمورهم أعلن في البلاد عن وفاة السلطان خليل ولبس جواري الأشرف الحداد وأقيمت المآتم وساد مصر الحزن واحتشدت العامة في الشوارع والميادين للفرجة على عقوبة وإعدام المتآمرين. دفن السلطان خليل يالبضريح الذي أنشأه قرب مشهد السيدة نفيسة جنوب القاهرة. 
 
ولد الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون في القاهرة عام 1285م. نودي به سلطانا 1293م بعد اغتيال والده وعمره ثمان سنوات تحت وصاية كتبغا، الذي عزله وأعلن نفسه ساطانا 1294م.
 
نُصب العادل زين الدين كتبغا سلطانا 1294م واستمر في الحكم حتي 1296م. ولد عام 1245م. كان جنديا في جيش مغول فارس، أخذه الجيش المملوكي أسيرا في معركة حمص الأولى ديسمبر 1260م واشتراه الأمير قلاوون ثم أعتقه وأنعم عليه بالإمارة عندما صار قلاوون سلطانا. تقلد منصب نائب السلطان الصغير الناصر محمد ومدبر الدولة. وبعد أن استتب له الأمر أعلن نفسه سلطانا. خلال عهده عانت مصر والشام من نقص حاد في المياة والطعام إضافة إلى انتشار الوباء الذي أودى بحياة أعداد هائلة من السكان. هو لم يكن محبوبا من قبل عامة المصريين وكانوا يعتبرونه نحسا على البلاد. بينما كان كتبغا في الشام أجمع الأمراء على ضرورة التخلص منه، وعندما حاصرو الدهلير السلطاني وقتلوا الكثير من مماليكه فر إلي دمشق، وقام الأمراء بتنضيب لاجين سلطانا للبلاد. 
 
نُصب المنصور حسام الدين لاجين سلطانا في نوفمبر 1296م وظل سلطانا حتي يناير 1299م. صرح بعد تسلطنه بأنه ليس سوى نائباً للسلطان الناصر محمد حتى يكبر ويقدر على الحكم ثم أبعد الناصر إلى الكرك، و اشترط لاجين على الناصر أن يوليه دمشق عند عودته واشترط الناصر عليه أن لا يقتله فحلف كل منهما للآخر وغادر الناصر مصر إلى الكرك. تآمر أمراء المماليك علي السلطان لاجين بسبب تمييزه لنائبه منكوتمر ودخلوا عليه قلعة الجبل وأردوه قتيلا. لم يدم حكمه أكثر من عامين وشهرين وقتل وهو في الخمسين من عمره. بعد موته قامت فتنة في البلاد انتهت بمقتل مدبري اغتيال السلطان واستدعاء الملك الناصر محمد من الكرك.
البقية بالعدد القادم