عادل نعمان
وغلمان جمع غلام، وهو الولد إلى أن يشب أو يقارب سن البلوغ أو الحلم، وهو لا يعرف من أحضان النساء إلا حضن أمه أو عماته أو خالاته، حتى يتوق إلى أحضان الحور العين وكواعبهم، فيفجر نفسه ابتغاء الوصول إليهن، أو بلوغ الاستمتاع بهن. وهو طفل ما زال يلهو، ويلعب، ويداعب الصغار الأولاد كالبنات، فلا فرق بين هذه وهذا. وهو لم يبلغ الرشد أو يشب عن الطوق، وربما لم ينبت شاربه بعد، حتى يحمل على كتفيه عبء إقامة الدولة الإسلامية.

وهو ليس بكامل الصواب والرشاد والأهلية، فلا مسؤولية ولا مساءلة ولا محاسبة له. وهو ليس بعاقل أو راشد أو بصير، فلا يكلف ولا يؤمر بما لا يقدر عليه. وهو في ولاية وآل، فلا يقرر أمرا يخصه أو يخص غيره، ولا يجوز أن يتقاسم ولايته آخر، أو يتولاه غير ولى أمره الرسمى والقانونى.

وهو ربما لم يزل يفك الخط، وقد تتولى أمه أمره كله، فتقوم بحمومه وتنشيفه وتسريحه، واختيار أكله وشرابه ولباسه، وتتولى رعايته والعناية به في كل أموره، فليس عليه سوى العلم والدرس وتحصيله، حتى ينفع نفسه وأهله وبلده. رحماك يا ربنا فمشوارنا طويل يبدأ من هذا الغلام الذي فجر نفسه في سوق الشيخ زويد، حتى من شارف على الجفاف وانقطاع فرعه، وما زال يدعو هؤلاء للجهاد على المنابر.

فلا غرابة فيما تصنعه الجماعات التكفيرية بهؤلاء الصغار، فلما ألزمت الطفلة بالحجاب والنقاب، وأجازت نكاحها ومفاخذتها ومضاجعتها إن طاقت، فلا مانع أن تلزم الطفل بالجهاد والقتال إن أطاقه، وقدر عليه، وهذا أخف من النكاح وتبعاته. وما دام الجهاد أصبح سبيله فليلتزم بما جاءوا به، من الإثخان والمبالغة في القتل، وضرب الرقاب، والغلظة والشدة مع الكفار، وليرفع من مقامه في الجهاد ويفجر نفسه في أعداء الله، حتى يصيب منهم الكثير، فيكون الثواب على قدر عدد القتلى وتشريد عباد الله، وليلتزموا بما وعدوه به من الحور العين، ولقاء الغرام والهيام بعد تقطيعه أشلاء. وللدرس الأول الذي يتعلمه الصبى عند الجماعات الإرهابية فائدة عظمى أن يألف هذا الشبل المجاهد في «جيش الطفولة» مشاهد القسوة والعنف، وتحل محل الفطرة والمحبة والتسامح والطفولة، والدرس الاول: شهادة ومعاينة إقامة الحدود، ويشارك في الرجم ليثاب عنه، ويتقن التصويب والتسديد لرأس الضحية، وكلما تلاحقت حجارته على رأس الضحية تلاحقت الحسنات على صحيفته، وليشهد قطع يد السارق من ذويه وأهله عبرة له ولغيره، فيألف لون الدم، ويعتاد البأس والشدة والفتك، ويخاصم الرحمة والشفقة واللطف والموادعة، وكلما نزعهم من ضميره وقلبه كان أقرب غلى التقوى والجهاد الحق، وارتفع قدره وارتقى سلم الجهاد حتى سنامه. الدرس الثانى: تدريبه على خنق القطط والكلاب الصغيرة وسلخها، ليعتاد العنف والغلظة، وكان السلخ والنفخ والشىّ إبداع أجدادهم من الخلفاء العباسيين الذين تفوقوا بها على وسائل تعذيب خلفاء بنى أمية، في قطع الرقاب ورفعها على أسنة الرماح، ودفن الأحياء من الرأس حتى تخرج الروح من الدبر. الدرس الثالث: تنفيذ الإعدامات على الضحايا من الخلف في مرحلة ثم من الأمام مرحلة أخرى، عندها يكون اكتمل بناء هذا المجاهد الشبل، ويخرج إلى حيث الميدان ومنه إلى الحور العين. هل هناك سن للجهاد؟ نعم.. هو سن الغلام الذي فجر نفسه في الشيخ زويد وهو سن الخامسة عشرة، حتى لا يلومهم جاهل مثلى على إشراك الأطفال في القتال دون سند شرعى، «كله بالشرع» وليس على الهوى. تعال نقرأ: يزعمون عن النبى، عن ابن عمر «عرضت على الرسول يوم أحد، وأنا ابن أربعة عشر فلم يجزنى في المقاتلة»، وعن ابن الأثير في أسد الغابة «أن عمير بن ابى وقاس حين بكى للرسول في بدر لينضم للمقاتلين أجاز له هذا». وقالوا: الرسول قد سمح لرافع بن خويج المقاتلة في معركة بدر وهو ابن الخامسة عشر حين علم بمهارته في الرمى، ثم إ حتج سمرة بن جندب وقال: «إن الرسول أجاز رافعا وردنى وأنا أصرعه»، فأمرهما أن يتصارعا، فصرع سمرة رافعا، «فأجازه معه»، الروايات كلها أجازت سن الخامسة عشرة هو سن الجهاد والإشتراك فيه، وتحمل تبعاته والفوز بالغنائم والأسلاب في الدنيا والحور العين في الآخرة، وإذا كان صبينا لا يقدر على مضاجعة النساء في الدنيا، فله شأن آخر يوم الحور.

مشوارنا طويل، بطول تاريخنا كله، فهو متصل ومتشابك ومربوط بعضه ببعض، لا يفكه ولا يحله ولا يصهره أفران الحديد، أو يستعدله مطارق الحدادين، لكن يلينه ويقومه ويسويه عقول العقلاء وبصيرة المفكرين، إذا وقف القوم موقف الحياد من الفرقاء، يسمع ويعى ويستوعب ويضع كل ما يصل إلى مسامعه في ميزان العقل، ساعتها سيرى أبناءه في مسيرة العلم والحداثة والحضارة وليس في طوابير الجهاد المزيف، الذي يخرب البيوت والعقول والأوطان، صحيح مشوارنا طويل في تنوير العقول، يبدأ من هذا الصغير حتى من شارف منهم على النهاية أجيالًا متلاحقة ومتتابعة، ذريةً بعضها من بعض، لكن تحكيم العقل بيننا يختصر الوقت، ويصل إلى النتيجة سريعًا، إذا أخذ العقل فرصته.
نقلا عن المصرى اليوم