د/ عايدة نصيف
إن العلاقات الدولية وحرص مصر عليها بقيادة الرئيس "السيسي" أعادت مصر على الخريطة الدولية والإقليمية، والتي تمثل أحد أذرع الأمن القومى لها، وذلك أن دل إنما يدل على الإدراك الإستراتيجي لرئيس واعٍ وفريق سياسة خارجية يفكر بآليات حديثة، مؤسسة على الفهم الصحيح للفرص والتحديات التي تحيط بمصر سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى..

رأينا ذلك في السنوات السابقة، وحتى اللحظة الحاضرة من علاقات دولية وإقليمية تمثل حراكًا سياسيًّا تاريخيًّا، وخاصة بعد أن فقدت مصر في السنوات السابقة علاقاتها بكثير من الدول بقصد أو بغير قصد، والآن تستعيد علاقاتها مرة أخرى بصورة كبيرة على الصعيد الإقليمى والدولى، وبدأت تنظر إلى قضية السلام في المنطقة وقضية مكافحة الإرهاب، بل تجاوزت مصر التحدى الأكبر في إقامة علاقات على المستوى الدولى والإقليمى بخطوات ثابتة على منهجية وطنية لبناء علاقات إستراتيجية مع دول مثل روسيا والصين ودول أوروبية، وغيرها من الدول والآن نعود لإقامة علاقات مع أفريقيا في مجالات متعددة..

وبصورة خاصة نرى جولة تاريخية للرئيس "السيسي" تشمل غينيا وأمريكا وكوت ديفوار والسنغال، وفى الواقع أن زيارة الرئيس إلى غينيا في منطقة غرب أفريقيا هي الأولى من نوعها منذ 1965م، فقد كان هناك انقطاع للعلاقات في عهد الرئيسين السابقين السادات ومبارك، أي نحو 54 سنة من انقطاع للعلاقات بين مصر وأفريقيا، وهذا يعنى انقطاعا للعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية..

ومعنى تحرك الرئيس ومصر نحو أفريقيا الآن يدل على إدراك أهمية البعد الإستراتيجي لمصر في قلب أفريقيا، ومن ثم الحرص على إعادة العلاقات التي سوف تترتب عليها تأثيرات إيجابية بالغة الأهمية، فامتداد مصر في قلب أفريقيا يعد أمنا قوميا لها من خلال تنظيم الوسائل والسياسات بما يتناسب مع الواقع.

وانظر بصورة تحليلية على ما حدث في بعض الدول وخاصة في المنطقة العربية وخاصة إلى العراق وسوريا فأجد حضارة قد قتلت ودمرت، ومن أسباب القتل ليس المجاعة أو الوباء أو الأزمات الاقتصادية وإنما قتلتها السياسة الخارجية والعلاقات الدولية وأقصد هنا أنه من المستطاع مكافحة الفقر والجوع والوباء أو الصحة ولكن من غير المستطاع مكافحة العلاقات الدولية المتكتلة، وأطرح السؤال هل كانت هذه الدول لها قوة من الاستقلالية وفى نفس الوقت قوة من العلاقات الدولية؟

وأعود بك عزيزى القارئ إلى المشهد المصرى وعلاقاته الخارجية والذي وضع مصر على الخريطة الدولية بما يشير لنا على أن للدولة المصرية إدراك إستراتيجي من قبل صناع القرار السياسي على الصعيد الخارجى، وفهم الإرادة السياسية للدولة للظروف المحيطة على مستوى العالم، وهذا يعنى تمهيد لاختيار بدائل وفرضيات إستراتيجية كأحد أدوات وإجراءات حماية الأمن القومى من خلال تعزيز العلاقات مع دول القارة الأفريقية في مختلف المجالات..

فقد بدأت السياسة الخارجية لمصر تولى اهتماما بالغا وتعطى أولوية للقضايا الأفريقية، وخاصة في ظل الرئاسة المصرية للاتحاد الافريقى، وقد ظهر تأثير زيارة الرئيس الأخيرة بصورة جلية في وسط استقبال رسمى وشعبى حافل في غينيا، كما شهدت الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذاكرت التفاهم بين البلدين، وهذا يحسب لمصر في ظل قيادة واعية وسياسة خارجية مدركة بعد ما أهملت وانقطعت هذه العلاقات سنوات وسنوات..

وفى الحقيقة هناك دلالة كبيرة توقفت عندها من خلال متابعتى لزيارة الرئيس إلى غينيا، عند زيارته لجامعة "جمال عبد الناصر" حيث قام بإزاحة الستار عن تمثال الراحل "جمال عبد الناصر" بحرم الجامعة بالإضافة إلى افتتاحه لمبنى المجمع الجديد للجامعة والذي أطلق عليه "عبدالفتاح السيسي"، وهذا المشهد يشير إلى دلالات التأثير المصري في أفريقيا في عهد "جمال عبد الناصر" وانقطاع هذا التأثير بعده، ثم بداية إعادة هذا التأثير في عهد الرئيس "السيسي"..

فقد غاب دور مصر عن أفريقيا في فترات مهمة، وهذا يعنى غياب الإدراك الإستراتيجي لعلاقات مصر الخارجية، مما ترتب على ذلك بنتائج سلبية، حيث مرت هذه السنوات بهبوط شديد وصل إلى قطع الصلة في مستوى العلاقات، ولكنه قد حان الوقت لإعادة هذه العلاقات المهمة لمصر ولأفريقيا.

فالعلاقات الدولية لا يمكن تجاهلها ولها أهمية كبيرة، ولكنها أيضًا على درجة كبيرة من التعقيد بحيث لا يمكن فهمها لأصحاب النظرة البسيطة، ولذلك عندما نتحدث على علاقاتنا الدولية نجد بعض الأقلام وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعى مثل فيس بوك تهاجم هذه التحركات، إما عن وعى أو عن جهل، والجانبان يشكلان خطورة على الرأى العام.

فإذا استخدمت العلاقات الدولية استخدامًا جيدًا مع الاحتفاظ باستقلالية البلاد تتحقق القوة، والقوة في أبسط تعريف لها في علم الفلسفة السياسية والذي أدرسه لطلابى في المرحلة الجامعية "هي القدرة على الانتصار في الصراع وفى التغلب على العقبات" ومجالات القوة إما بشرية أو مادية أو مكانية.

ومن هنا نجد دور العلاقات الدولية وأهمية دور الدبلوماسية، فالدول تستطيع أن تتفاوض وأن تساوم وأن تقيم علاقات مختلفة عن طريق المسالك الدبلوماسية من خلال السفراء والوزراء وكبار الدبلوماسيين.