القس رفعت فكري سعيد
بحضور عدة آلاف من أهالى قرية دندرة بمحافظة قنا، والعشرات من المفكرين والإعلاميين وأعضاء مجلس النواب عن محافظات صعيد مصر، وعدد من رؤساء جامعات الصعيد والآلاف من أبناء محافظة قنا، والمنتمين للأسرة الدندراوية بالعالم العربى والإفريقى وتحت رعاية الأمير هاشم الدندراوى، رئيس مركز دندرة الثقافى، انطلقت، الأسبوع الماضى، فعاليات منتدى دندرة الثقافى الخامس تحت عنوان «قيمة الإنسان». وفى كلمته الافتتاحية، قال الأمير هاشم: إن معرفة الإنسان لقيمته هى الأساس لأى عملية تنمية وإصلاح للمجتمع، كما تحدث الأستاذ عبداللطيف المناوى، رئيس تحرير «المصرى اليوم»، عن سعادته بهذا الملتقى المهم والمؤثر فى صعيد مصر.

وفى كلمتى عن قيمة الإنسان، قلت: إن قيمة أى إنسان تنبع من عظمة الله الخالق، فهو سبحانه خلق الإنسان فى أبهى صورة وأروع جمال، وأن كل إنسان له قيمة خاصة وكرامة خاصة، بغض النظر عن جنسه أو جنسيته أو لونه أو عرقه أو مركزه الاجتماعى أو الثقافى، وقلت إن هناك قيمًا تنبع من الإنسانية الحقيقية، فالمحبة من الإنسانية، أما الكراهية فهى من اللاإنسانية، وإن الإيمان بمساواة جميع البشر من الإنسانية، أما العنصرية البغيضة فهى من اللاإنسانية، وإن قبول الآخر المغاير من الإنسانية، بينما التعصب من اللاإنسانية، وإن التعصب يبدأ بالكلام وينتهى بالإرهاب، مروراً بالتجنب والاضطهاد والاعتداء البدنى، والتعصب هو تقديس الأنا وإلغاء للآخر، ويقود هذا إلى موت لغة التواصل والحوار، وحين يموت منطق الحوار تنطق الحراب والبنادق، وتُحفر الخنادق، وتُستباح الدماء.

وقلت: إن الله لا يهتم كثيراً بالذبائح والقرابين، ولكنه يهتم بالعلاقة مع الإنسان الآخر، إن شريعة الله هى: أن أحب أخى فى الإنسانية قبل كل فروض الصلاة والصوم والقرابين، فما قيمة الصلوات والأصوام والطقوس وكل مظاهر العبادة إن لم تكن هناك محبة حقيقية للإنسان الآخر؟ هناك فرق شاسع بين التدين والإيمان الحقيقى، فالتدين كثيراً ما يركز على المظاهر الخارجية، وهى أمور جميلة ومهمة، بينما الإيمان الحقيقى هو موقف أخلاقى يقدس القيم ويحترم الإنسان الآخر أياً كان لونه أو دينه أو مذهبه، فما أسهل التعبد لله ورفع الصلوات والأصوام، ولكن ما أصعب التسامح وقبول الآخر المغاير، إن الله سبحانه يريد أن يعيش البشر أسرة واحدة تربطهم رابطة المحبة، لذا فهو سبحانه لا يقبل عبادة مزيفة من قلب ممتلئ بالكراهية والتطرف والأنانية، إن العبادة الحقيقية التى تسرّ قلب الله هى التى تمر عبر الإنسان الآخر من خلال محبته وخدمته.

قال محيى الدين بن عربى، أحد أشهر المتصوفين (25 يوليو 1165 - 8 نوفمبر 1240):

قد كنت قبل اليوم أنكر صاحبى.. إذا لم يكن دينى إلى دينه دانى

لقد صارَ قلـبى قابلاً كلَ صُـورةٍ.. فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ

أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ ركـائـبهُ، فالحبُّ ديـنى وإيـمَانى.
نقلا عن المصرى اليوم