هنا أبوالغار
يبدو أن عدم الرضا بين الزوجين وصل بمجتمعنا إلى أعلى معدلات الطلاق أو الانفصال الكامل بين الزوجين داخل المنزل فى نسبة كبيرة من الأزواج، وحيث إن الرضا فى أى علاقة شرط لاستمرارها، فالإشباع النفسى والجسدى فى العلاقة الزوجية شق مهم فى معادلة الرضا هذه. هو موضوع شديد الحساسية لا يمس المرأة وحدها بل ويمس الرجل أيضا. فمنذ عامين بالتقريب تم نشر بحث أخذ أهمية كبيرة جدا فى الجرائد والمجلات العالمية، ليست فقط العلمية منها وإنما استخدم فى العديد من مقالات الجرائد اليومية والاجتماعية فى أنحاء مختلفة من العالم الغربى تحت عنوان «الثمن الذى تدفعه المرأة لمتعة الرجل» The female price of male pleasure. البحث استخدم استبيان لسؤال آلاف الأزواج (الزوج والزوجة) حول مفهومها عن العلاقة الحميمة. والنتائج كانت صادمة ليس فقط للرجال وإنما للنساء أيضا.

فقد وجد البحث أن تعريف الرجل لعلاقة غير مرضية يكمن فى عدم الإشباع فى نهاية العلاقة، فى حين أن تعريف من شاركن فى البحث من النساء للعلاقة غير المشبعة هو «الألم». وجد البحث أن الأغلبية العظمى من النساء لا يشكون من هذا الألم وإنما لأسباب متعلقة بالمفهوم الثقافى للعلاقة وما تربين على توقعه منها يكمن فى أن الألم جزء مقبول من العلاقة وأن إرضاء الرجل ووصوله إلى النشوة الجزء الأهم فى الحكم على نجاحها. أما إشباعهن جسديا أو نفسيا فلم يأت فى مرتبة متقدمة عند سؤالهن عن مفهومهن للعلاقة الناجحة (نسبة الرجال فى البحث الذين وصلوا إلى النشوة فى علاقاتهم فى العموم كانت ٩٤٪ أما فى النساء فلم تتعد ٦٠٪). وعند السؤال عن تحمل الألم وجد أن نسبة النساء اللائى يستمررن فى ممارسة العلاقة حتى بعد الإحساس بالألم ٣ أضعاف نسبة الرجال اذا ما أحسوا به، وهو ما وجد الباحثون أنه يؤكد توقع حدوثه وتقبله لدى النساء، فى حين أنه غير مقبول (وهو الأمر الطبيعي) لدى الرجال. وإن هناك ضغطا ثقافيا واجتماعيا تحسه المرأة حتى فى المجتمعات المنفتحة جنسيا بأن عليها تحمل بعض الألم فى سبيل علاقة طبيعية الأصل فيها المتعة والتقارب والإسعاد.
***

دعونا ننظر إلى التكوين التشريحى لأعضاء المرأة والرجل، ففى الجنين تتكون الأعضاء من خلايا مختلفة تتطور مع نمو الجنين وتحت تأثير الإشارات من الكروموزومات والهورمونات إلى أن تكون الشكل النهائى للجهاز التناسلى لدى الرجل والمرأة، بالرغم من أنها تنبع من نفس الأنسجة، فالبظر لدى المرأة يوازى العضو الذكرى لدى الرجل، والخصية لدى الرجل توازى المبيض لدى المرأة، وهو ما يفسر أن ٣٠٪ فقط من النساء يصلن إلى النشوة مع العلاقة الكاملة ما بين العضو الذكرى والمهبل، وأن الأغلبية من النساء ٧٠٪ يكون العضو الأهم لديهن فى الوصول إلى الإشباع هو البظر. معلومة تخالف المفهوم العام للعلاقة، وتجعل ما نسميه «المداعبة» جزء لا يتجزأ من العلاقة وليس «أوبشن» إضافيا فيها، وأن تصديره فى الثقافة كعامل مساعد ليس صحيحا وقد يكون ضارا لإتمام العلاقة بشكل مرضٍ للطرفين. وهو أيضا ما يفسر فى مجتمعنا استحالة وصول المرأة التى تم قطع بظرها (ما يسمى خطأً بالختان) إلى النشوة الكاملة، وهو ما يجعل كثيرا من العلاقات الحميمة فى إطار الحياة الزوجية أقرب إلى الانتهاك أو على الأقل عدم الرضا لدى المرأة. هذا بالرغم لفهم خاطئ لدى من يقوم بالقطع بأنه يقلل من الغريزة الجنسية لدى المرأة أو أنه «يهذبها»، والصحيح هو أن الغريزة تكمن فى العقل والإشباع يكمن فى الجسد، فإذا لم يشبع الجسد لن تنطفئ الغريزة والدليل على هذا أن الأبحاث المقامة على بائعات الجنس فى مصر تقول إن الأغلبية العظمى منهم تم قطعهن.

مهارة التواصل الجنسى ليست إلا امتداد لقدرة الزوجين على التواصل بشكل عام فى حياتهما اليومية، وعدم القدرة على فهم الآخر أو على التعبير عما بداخل كليهما فى العموم وفى العلاقة الحميمة بشكل خاص هو أمر خطير. المرأة لأنها تستقبل الرجل فهى تحس بالانتهاك بسهولة وإن لم تحدث العلاقة فى إطار فيه مشاعر وحميمية وحب فهى لن تستطيع أن تحس بالمتعة، لأن متعتها أكثر تعقيدا من متعة الرجل وهى بالفطرة والجينات أكثر حرصا وانتقائية فى علاقتها سواء فى اختيار الزوج أو فى اختيار توقيت العلاقة حفاظا على النوع. أما متعة الرجل فأقل تعقيدا، فالانتصاب مرتبط بوظائف جسدية أكثر منها نفسية واحتياجه للتواصل الإنسانى خلال العلاقة أقل (بالرغم أن التواصل الجيد يزيد من النشوة والسعادة لدى كليهما حيث يفرز هورمونات السعادة خاصة هورمون الأوكسيتوسين وهو المسئول عن الحب والسعادة والطمأنينة والرضا). ولذلك فمع مرور سنوات الزواج ومع عدم المعرفة أو التعاطف مع احتياجات زوجته فهو يتوقع أن تكون زوجته جاهزة للعلاقة عندما يكون هو، بدون أن يراعى أن حياتهما اليومية خارج غرفة النوم ستنعكس بالتأكيد على استقبالها لرغباته. والإحساس بعدم رضا لدى المرأة لأن متعتها غير مكتملة ولدى الرجل لأن العلاقة آلية أكثر منها إنسانية والقبول الذى يلقاه من زوجته لا يشبع رجولته ينعكس على حياتهما اليومية. وبدلا من أن يتحدثا عن الأمر بصراحة يخرج كعصبية أو تجريح فى مناقشات عن الفلوس أو تربية الأبناء أو المسئوليات اليومية. وتتكرر الخلافات غير المفهومة التى ليس لها سبب سوى عدم الإشباع لدى أحد الأطراف أو الطرفين، مما يُحدث شرخا فى العلاقة لا يفهم المحيطون أسبابه ولا يتحدث عنه أحد لينتهى بالطلاق أو «أهى عيشة والسلام».
***

المرأة مبرمجة أن التعبير عن رغباتها عيب وحتى تحديدها بينها وبين نفسها أمر مرفوض، فى حين أن رغبات الرجل أمر يفتخر به ويتحدث عنه بسهولة سواء معها أو مع غيرها، ووصول المرأة إلى النشوة لا يُرى كضرورة فى حين أن وصول الرجل هو دليل الرجولة والقدرات الذكورية. وهو ما يضع ضغطا على الرجال فى كثير من الأحيان، بالرغم من أنه يعطيه مميزات فى إطار العلاقة.

الكثيرون لا يعلمون أن ٥٠٪ من الرجال بعد سن الأربعين يعانون من صعوبة فى الانتصاب متكررة. ولأنه مرتبط بمفهومنا الاجتماعى عن الرجولة فهو يضع عبئا كبيرا على العلاقة الزوجية وعدم الحديث عنه بين الزوجين يزيد من المشكلة، حيث إن المرأة بعقلها المبرمج على إسعاد الرجل تراه عدم رغبة من الزوج تجاهها، والرجل يراه فشلا يخجل منه ويحاول أن يجد له تفسيرا فى قصور لدى زوجته أو فى نوع العلاقة بينهما بدلا من قبوله كتطور فسيولوجى مع السن، وينعكس الإحساس لدى الاثنين على قدرتهما على تخطى المشكلة بشكل علمى وعقلانى لحلها حيث إن لها حلولا. ولأن العلاقة الزوجية فى الاثنين مرتبطة ارتباطا كبيرا بالعقل فالذهن المليء بالقلق والتوتر من الحياة اليومية الصعبة لا يتحمل عبئا زائدا فى علاقة المفروض أنها من أهم طرق الجسد الفسيولوجية فى الاسترخاء والمتعة.
***

فكيف يمكن للزوجين تخطى مشاكلهما؟
بداية.. إن فتح قنوات التواصل حول الجنس بين الزوجين مهم، فالحديث عنه فى مجتمعنا صعب ومؤلم، خصوصا للمرأة وخصوصا إذا ما كان يمس رغباتها هى، وعليهما أن يتخطوا هذه العقبة، وعلينا أن نجعل الجنس بين الزوجين موضوعا للحديث فى إطار من الاحترام والحب حتى مع أبنائنا والبعد عن تصويره كعيب أو حرام فى المطلق، حتى لا نربى أجيالا جديدة لا تتقن التواصل فى إحدى أهم علاقاتهم.

بدون تعاطف ورغبة حقيقية من الزوجين على إسعاد الآخر سنبقى أسيرى علاقات غير مرضية، سواء لزوج يحس بعدم ترحاب زوجته لإقامة علاقة أو لزوجة تحس أن العلاقة الزوجية عبء تحاول أن تتهرب منه مع مرور السنوات، حماية لنفسها من الإحساس بالإحباط وعدم الرضا وأحيانا الألم الجسدى أو النفسى فى كل مرة تقوم فيها العلاقة.

استثمار المشاعر والحميمية فى العلاقة تزيد من رضا الزوجة ورغبتها فى الاستمرار، وتزيد من نشوة الرجل عندما تستجيب له زوجته فى الفراش بحب ورغبة غير مصطنعة. فالأبحاث ذاتها تقول إن أكثر من ٥٠٪ من النساء يمثلن النشوة من آن لآخر فى علاقاتهن من أجل إرضاء أزواجهن، وهو أمر قد يأتى بنتيجة عكسية سواء على الرجل إذا ما فقد ثقته فى قدرته على قراءة زوجته أو فى المرأة لإحساسها بأنها رخيصة فى أحضان زوجها.

«ممارسة الحب بين الزوجين» كما تسمّى فى الغرب، هى أعلى درجات التعبير عن الحب، ففيها تواصل على المستوى الجسدى والروحى غير موجود فى أى علاقة أخرى، هذا المستوى من التواصل يستلزم شفافية وطمأنينة وتسليما للآخر، وهو ما يضفى عليها قدسيتها ومكانتها ويشترط لنجاحها الحب والكرم والرغبة فى الإسعاد. والحديث عن المشكلة بداية لعلاج شق مهم من مشكلات مجتمعنا الزوجية والتى تلقى بظلالها على الأسرة كلها.

يتلخص إحساس المرأة بعد علاقة حميمة غير مرضية فى مقولة على لسان إحدى بطلات أحلام مستغانمى: «لا أكثر كآبة من فعل حب لا حب فيه، بعده تعتريك رغبة ملحة فى البكاء».. فهل هذا ما نتمناه لكل امرأة فى حياتنا؟
نقلا عن الشروق