أولاً: التحدى الثقافى

 
لا شك أن أمامنا فى المستقبل تحدياًٍ خطيراً، هو غزو الأقمار الصناعية والإنترنت لبيوتنا، الليل والنهار، وعلى قنوات متعددة، والتى تقدم لنا ثقافة قد لا تتناسب مع قيمنا الدينية أو الاجتماعية. ولا شك أن هذا الغزو، سيكون له أثره الإيجابى والسلبى فى حياة أطفالنا وشبابنا، الأمر الذى ينبغى أن نعد له العدة. لذلك لابد من انتباه خاص لهذا التطور، فالوقاية الحقة تكون من خلال تربية ضمائر شبابنا، بحيث تستطيع:
 
أولاً: أن تميز الإيجابى من السلبى.
 
ثانيًا: أن تكون قادرة على تبنى الإيجابيات، ورفض السلبيات.
 
1- وهذا يحتاج منا أن تقدم للشباب: الاستنارة الذهنية والشبع الدينى، كما يحتاج من مؤسساتنا الثقافية والفنية والفكرية والعلمية: الإبداع والنضج، ومن مؤسساتنا الشبابية: الرياضة والكشافة والأنشطة.. بأسلوب بناء، ومن مؤسساتنا الصحية: التوعية ضد مخاطر الانحراف والرذيلة، ضد الإدمان والإيدز وغيرها.. وذلك كعمل متكامل يبنى «شخصية متكاملة وناجحة».
 
2- إن هذا البناء المتكامل لشبابنا، هو الرادع الحقيقى للغزو الثقافى القادم، فلا صوت يعلو فوق صوت الضمير، اللهم إلا إذا أراد الإنسان لنفسه معاندة الخالق، ورفض الحق، وطريق الهلاك!
 
3- علينا أن نغذى شبابنا بالفكر السليم، فقديمًا قالوا: «العقل السليم فى الجسم السليم»، وهذا لا يلغى أن الجسم السليم أيضًا هو ثمرة للعقل السليم، والتفكير الناضج غير المنحرف. وهناك مثل صينى يقول:
 
- ازرع فكرًا.. تحصد عملاً. - ازرع عملاً.. تحصد عادة.
 
- ازرع عادة.. تحصد خلقًا. - ازرع خلقًا.. تحصد مصيرًا.
 
4- نحتاج أن نقدم الكتاب بسعر مناسب للشباب، وأن ننشر المكتبات فى كل مكان، فإن قدمت لنا الأقمار الصناعية أفكارًا منحرفة، وفرصًا للخطأ، يكون الفكر السليم، والضمير المستيقظ، سدًا منيعًا أمام هذا الطوفان القادم، وتكون بيوتنا مؤسسة على التدين السليم الذى لا يتزعزع.
 
ثانيًا: التحدى العلمى
 
- لا شك أن المستقبل يحفل بتحديات علمية كثيرة، وفى مجالات متعددة: ويتحدثون الآن عن «تداول القوة» (Powershift)، فبعد أن كان الاستعمار عسكريًا، صار اقتصاديًا، وثقافيًا، وعلميًا. وها نحن نرى الدول المتقدمة علميًا، ترتاد الفضاء، حتى إلى المريخ، بينما نحن قابعون هنا على الأرض. وهناك نمو مذهل فى ميادين الاتصالات، والأقمار، والفضاء، والهندسة الوراثية، وأطفال الأنابيب، وزرع الأعضاء، والطاقة الاندماجية بعد الطاقة الانشطارية.. إلخ.
 
- حتى الخطيئة صارت لها تكنولوجيا خاصة بها: فحركة العصر الجديدة «New Age Movement» ليست جديدة على الإطلاق، فهى خليط من تناسخ الأرواح وتحضير الأرواح، ونضيف إليها الإبهار التكنولوجى.
 
- ماذا نقول عن ضرورة مكافحة الأمية الكمبيوترية، ونحن بعد نعانى من الأمية الحرفية؟! ولعلنا نذكر استخدام العلم فى حرب 1967م، حينما كانت إسرائيل تلتقط الشفرة الصادرة من قواتنا فى مصر إلى قواتنا فى الأردن، وتعكس معلوماتها، وتعيد تصديرها، فنخسر الكثير؟ كما نذكر أيضًا كيف فقدت العراق حوالى مائة ألف جندى، بينما خسرت أمريكا مائة جندى فقط.. ليس لبسالة الجندى الأمريكى أو إيمانه بقضية ما، ولكن بسبب ذلك المارد الجبار: العلم!
 
- هل سنأخذ- إذن- بأسباب العلم فى الحاضر والمستقبل؟ وهل سنضع خططًا لهذا التحدى الخطير، من دراسات، وبحوث، وبعثات، حتى لا نتخلف فى القرن الجديد، ونبقى فى آخر الصفوف، نلعق جراحنا، ونندم؟!
 
ثالثًا: الاغتراب والتطرف
 
نحيا هذا الآن، وسيزداد فيما بعد، ما لم نعالج الأمور من جذورها!! فالشباب يحس أحيانًا بالاغتراب، ربما فى أماكن العبادة والوطن. والأسباب العلمية للاغتراب كما حددها عالم الاجتماع سيمان Seaman أهمها:
 
1- عدم المشاركة فى القرارات (Powerlessness): لذلك ينبغى أن يدخل الشباب إلى مراكز صنع القرار: الدينى والسياسى والثقافى والفنى، فلا يكون سلبيًا يتلقى فقط، بل إيجابيًا يتحاور معنا، ويشرح نفسه واحتياجاته وتساؤلاته، ويشعر بالانتماء إلى دينه ووطنه.. إلخ.
 
2- فقدان المعنى (Meaninglessness): أى ألا يكون الشباب فاهمًا لما يدور حوله من أحداث، فإذا ما اشترك فى مساحة طيبة من العمل مع الكبار، دخل إلى صلب الميدان، وفهم سير الأمور، فلا يحس بالتهميش المدمر.
 
3- انهيار المعايير (Formlessness): حين لا تكون هناك معايير ثابتة محددة للأمور، ويكفى كمثال ما جرى فى فلسطين والبوسنة، وغيرهما. فشبابنا نقى، وخامته طيبة، ولكنه يرى الظلم فى موضع، والتدخل فى موضع آخر، ما هى المعايير؟ هل هى المصلحة فقط؟ هذا شعور يؤذى بلا شك نفوس الشباب، ويؤثر فى تركيبتهم الداخلية، ونظرتهم للمجتمع والسياسات.. إلخ.
 
4- العزلة الاجتماعية (Social Isolation): بمعنى حدوث انفصال بين ثقافة الفرد وثقافة المجتمع، أى أن يرى الشباب انفصامًا بين الدين والدنيا، وبين القيم والواقع، وبين الزمن والأبدية، وبين المادة والروح.. بينما الإنسان المتدين تدينًا سليمًا، صاحب النفسية الصحيحة، لا يشعر بهذا الانفصام، فهو يجرى المصالحة بين الواقع الخاطئ والتغيير المطلوب، وبين الضعف البشرى والتقوى المرتجاة. وهكذا يدخل إلى المجتمع من باب التفاعل السمح الخلاق، وليس من باب الرفض السلبى، أو العنف.
 
5- الاغتراب عن النفس (Self Alienates): بمعنى أن يفقد الإنسان القدرة على تحقيق جوهره الخاص وسط الجماعة، فكل منا حباه الله بوزنات ومواهب معينة، لخيره الشخصى، وخير أسرته ومجتمعه، لذلك لابد للجماعة من أن تعطى الفرد فرصة الإسهام والمشاركة، ولا تكبت طاقاته ومواهبه، حتى لا يتحول إلى قنبلة موقوتة، بل تشيع مناخًا من الشركة والعمل الجماعى، دون أن تتجاهل أهمية المرجعية، أى الالتزام بالقيم والمبادئ الدينية والاجتماعية الحقة.
 
وللحديث بقية
 
* أسقف الشباب العام
 
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم