د/ عايدة نصيف
إن العلوم الإنسانية تعتبر عاملا هاما من ضمن العوامل التي تخدم الحياة والإنسان والمجتمع، بل ثقافة إنسانية هامة في بناء الدولة؛ فهى تساعد على الفهم والتصور الواقعى بالنسيج المجتمعي وفهم مكوناته للإدراك والمعرفة والوعى بالعوامل المشتركة بين أبناء المجتمع؛ ومن ثم تتلاقى الجسور للبناء والتنمية على جميع الأصعدة.

فضلًا عن فهم الفرد لذاته وإدراك أن علاقته بالمجتمع يجب أن تكون علاقة فاعلة في ضوء المتغيرات والاختلافات وأنه عنصر من منظومة مركبة، فالعلوم الإنسانية بكل فروعها قادرة على إحداث أثر فعال لتكيف الفرد مع مجتمعه بصورة إيجابية، تجعل من المجتمع افضل وارقى، وهذا ما يفعله علم النفس التربوي والاجتماعى، بل الأكثر تأثيرا في تنمية المورد البشرى العلوم الفلسفية.

فالاهتمام بعلوم الفلسفة له أهمية في الدفع بالوعي العقلي إلى مراتب من التفكير الراقي من خلال ترتيب المدركات الحسية والمعنوية ووضعها في أولويات الحاجة وعدمها، وتغليب المصالح العامة على الخاصة والمجتمعية على الفردية أي التصرف طبقا للتفكير الموضوعى.

ومن هنا ينشأ الفكر الإنساني الذي يساعد على تنمية الموارد البشرية، ويدعو إلى التكامل في حركة المجتمع، ووضع الأمور في نصابها، فالحياة الناجحة فن، وفن الحياة متشعب على كل القامات؛ كفن التربية في التعليم، وفن اتباع النماذج الأرقى والأعلى في الحياة ولكل من هذه الفنون أصول وقواعد وحقوق وواجبات ومن يساهم في فن بناء الموارد البشرية هي العلوم الإنسانية؛ وبصورة خاصة اتجاه ينشأ من الفلسفة ألا وهو التفكير النقدى والحوار..

وقد أدرك رئيس جامعة القاهرة الحالى الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت قيمة التفكير النقدى، وقام بتجربة فريدة في تاريخ الجامعة، بل وتعتبر الأولى من نوعها ألا وهى تطبيق دراسة التفكير النقدى لكل كليات الجامعة، وبالفعل ومن خلال متابعتى لأهمية الموضوع طبق المنهج في العالم الدراسى الحالى، ودرس بكل كليات الجامعة باللغة العربية واللغة الإنجليزية، بل أعلن رئيس الجامعة بمسابقة بين الطلاب والموظفين والباحثين والأساتذة على مدى تطبيق التفكير النقدى على قضية أو إشكالية من إشكاليات المجتمع، مساهمة في الحل والبناء ومن هنا ربط الفكر والبحث العلمى بحل قضايا المجتمع.

فالمجتمع البشري منذ عصوره الأولى وحتى الآن مر بمراحل مختلفة ومتنوعة ومتغايرة من تعدد في المذاهب والطوائف والمعتقدات والمدارس الفكرية، فأصبح هناك اختلاف جوهري وقائم في المجتمعات، وأصبح هناك صراع يعانيه الناس من واقع ذلك الصدام الناتج عن مشكلات اجتماعية أو نفسية، وأصبح هناك تصادم بين اتجاهات مختلفة، ومن ثم كان لذلك أثره على المجتمعات.

ومن هنا أصبح للحوار ذي النزعة النقدية أهمية كبيرة في تنمية الفكر الإنساني ومن ثم تنمية المجتمع.

فالتفكير النقدى يعد في الواقع قديمًا قدم الفلسفة وهو بمثابة جسر للتفكير مع الآخر من خلال سمات مشتركة، فهو من أحد العوامل التي بواستطها تتغير وجهة الحوار، فإذا تحقق قبول التفكير النقدى الإيجابي لدى الطرفين تنشأ أرضية مشتركة ويتغير مفهوم الحوار إلى الحوار (تفكير مع الآخر)..

فالنقد هو مقدمة مهمة للتفكير المتكامل بين الطرفين المختلفين، فإذا قبل كل طرف النقد الذي من شأنه البناء يصبح هناك تفاهم؛ ومن ثم حوار سليم مع احتفاظ كل طرف بكيانه وشخصيته الكاملة، فأى إبداع في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية يقوم على النقد وعلى التفكير، وأخيرا وليس آخر فتجربة التفكير النقدى تحت قبة جامعة القاهرة تعد خطوة هامة في بناء العقل الإنسانى.