د. مينا ملاك عازر
لا جدال أن مصر ولادة، وأن الجين المصري جين خلاق لا يتوانى حين يجد فرصة حقيقية للإبداع، صحيح أن ليس كل المصريين الذين سافروا خارج مصر نجحوا وحققوا إنجازات مجدي يعقوب وأحمد زويل والباز وغيرهم، لكن على الأقل قليلين هم الذين فشلوا وضاعوا، كما كان من الممكن أن يضيعوا في بلادهم بل تزيد فرص ضياعهم، الوطن حضانة قوية لإنقاذ البعض لكنه خانق للكثيرين في ظل ظروف الاكتفاء بالناجحين ودعم من يقود لكي يستمر في قيادته ورغبتنا في عدم سماع الآخرين واحتواء آراءهم والاستهانة بالصغير، ولذا مجتمعنا مجتمع طارد في معظمه للكفاءات والمواهب اللهم فيما ندر.
 
لكن رامي مالك والعجيب فيما أقوله أنه لم يذق مرارة المجتمع المصري وقسوة أهله ولا حبهم وطيبة قلبهم، لكنه وقف بعد حصوله على جائزة الأوسكار متذكراً لحظة ترك أبواه مصر ومحافظة المنيا وهجرانهم إياها لأمريكا لكي يكون طبيباً ولم يكن هو كذلك، لكنه انخرط في الفن ونجح إلى أن حصل على الأوسكار، ربما لم يدر بخلد رامي أبداً أن المجمع الذي سيفتخر بانتماء جذوره له سينقسم ذلك الانقسام الحاد حوله وحول الاحتفاء به اللهم إلا المثقفين والمستنيرين هم الذين بالكاد يجمعون على الاحتفاء به بل ينادي البعض أن يستغله، قل يستثمره في مهرجان القاهرة السينمائي لعله يكون قبلة الحياة لهذا المهرجان الرسمي. 
 
رامي مالك افتخر بجذوره المصرية لا أعرف إن كان بيتمحك بحضارة المصريين أم أنه يرسل رسالة لترامب المحارب الصنديد للمهاجرين، وإن كان ترامب يحارب المهاجرين الغير شرعيين بالأكثر، إلا أن رامي أشار له وحتى لو لم يكن يقصد أن المهاجرين في مجتمعكم ينجحون ويتفوقون فشكراً لمجتمعكم وعلى مجتمعكم أن يشكرهم لأنهم كانوا إضافة له.
 
رامي مالك الممثل الذي يستهين به البعض لتقديمه دور شاذ لم يفهموا أن التمثيل حرفة وصنعة وإبداع، وهم يقعون في ورطة بائسة هي أن يصدقوا ما قدمه الممثل ويخلعوه على حياته الشخصية، ولن أقول أنه حتى لو كان رامي هكذا، فهذا أمر يخصه، يحترمه مجتمعه ويحترم خصوصيته لكن في مصر ربما كان سيقع في براثن مخرج يتاجر في الأجساد ويبيع ويشتري فيه، ويوثر له فيديو إباحي تستغله بعض الجهات وقت عوزة.
 
رامي مالك فنان حقيقي، ومصري حقيقي، يفتخر بجذوره بأصله يرفعه عالي خفاق ينطق بكلمات عربية رصينة أمام الجميع ليثبت جذره أمام الصحفيين ولا يتنكر لأصله في الحفلات الخارجية، ولا يجعل من فقر أهله وبيئة نهر بلاده وطباع أهله السيئة في بعض الأحيان مادة للتندر والضحك.
 
حين ترى رامي مالك ينجح قل أنه الجين المصري، وأن مصر فيها حاجة حلوة وفيها حاجات سيئة تخنق المواهب وتقتلهم، وما أحلى العودة للجذور، وعدم التنكر لها.
 
آخر القول تحية لرامي مالك، وتحية للفن والموهوبين في بلادنا، ويا ليتنا كما نفتخر برامي نسأل أنفسنا هل لو كان رامي في مصر كان مر على السجادة الحمراء ليحصل على الأوسكار أو يقع فريسة لأفكار إرهابية متدنية دموية.
 
المختصر المفيد مصر ولادة، وأمريكا حاضنة لمواليدها، لينجحوا للأسف.