د. مينا ملاك عازر
بما أننا في أجواء الفالنتين، فأحدثك عزيزي القارئ عما يبدو لي أنه رواية رومانسية أقرأها هذه الآونة، وهي رواية عازفة الكمان للكاتب المحترم أسامة غريب، أكتب هذه السطور وأنا لم أتمم قراءة الرواية بالتحديد أقف قبيل صفحات قليلة من نهاية فصلها الرابع عشر، لم أشأ أن أتممها ثم أكتب عنها، بل قررت اتباع سنة جديدة، وهي أن أكتب ما أراه عنها في الجزء الأول من المقال ثم أتوقف وأتممها، فأعود وأستأنف الكتابة في المقال، وذلك أفعله لأني أخشى بشدة من نهايتها التي أخشى أن تحاكي فيلم التانجو الأخير بباريس أو رواية الخفة الغير محتملة فتكون النهاية مأساوية، وقلبي الصغير لا يحتمل أي نهايات مأساوية فأنقلب على الكاتب والرواية وأبخسهما حقهما.

الكاتب بارع في وصف المجتمع المصري بنيويورك، هذا يبدو لأن الكاتب قد سافر كثيراً خارج مصر وربما عاش هناك، بل أنه يصف الأماكن بدقة متناهية تجعلك تعيش في الأماكن التي تدور بها الأحداث أكثر ما يؤرقني منه، أنه يصف المطاعم فيجوعني، ويجعلني أشتاق لمن يستضيفني هناك ويجعلني أرتاد تلك المطاعم بطعامها الفاخر الموصوف من الكاتب، وأرى المسارح والسينمات التي يرتادها العشيقان في الرواية، كما يصف بدقة مبهرة متخفياً وراء ثياب الرومانسية التي ترتديها الرواية مشاكل مصر أبان مبارك وبعض الشعارات السياسية والتي ثبت بعضها ولم يثبت البعض الآخر للآن، كتهريب الآثار وتورط ابني مبارك فيهما، ويناقش الفساد المجتمعي والفقر وتردي الأحوال الصحية في المستشفيات الكبرى كالقصر العيني الغير اقتصادي، ويفتح بمشرط الجراح حالة أهل الفن من العازفين الموهوبين الغير مشهورين، وكيف اشتهرت بعض الفنانات الغير مصريات؟ كما يفتح طريق ويفند بتدقيق غير مخل بأحداث الرواية ماذا فعله بعض الدعاة في تسعينات القرن المنصرم ببعض الفنانات، وكيف كنا يمولن ليقلعن عن الفن كما أن الكاتب يقدم وجبة رومانسية دسمة مبهرة لا جدال في هذا أبداً، ويحلل نفسيات البشر ويضع العلاج النفسي حلا لتلتئم النفس البشرية فتعود قادرة على أن تحب وتفصح عن الحب، أتوقف هنا عزيزي القارئ لأستأنف القراءة راجياً ألا يحمل لي باقي الفصل الرابع عشر والفصل الخامس عشر الأخير ما يؤزمني في وقت لا أتحمل أي تأزم.

حسبي الله ونعم الوكيل، برغم إعجابي الشديد بالرواية وطريقة الحكي والأحداث والوجبة الشعرية الدسمة المعبرة عن عمق ثقافة بارعة من المؤلف وحنكة في توقيتات استخدامها وتعبيرها عن الموقف، إلا أنني أقول وكلي شجن ووجع قلب حسبي الله ونعم الوكيل، ليه كده يا أستاذ أسامة؟ لماذا تنهي قصة رومانسية بمأساة الفراق، وأي فراق تموت الحبيبة في حادث سقوط طائرة مصر للطيران التي أقلعت من نيويورك في الحادي والثلاثين من أكتوبر من عام 1999، فأعدت علينا شجون كنا حسبنا أنفسنا نسيناها وأحزنتنا، على حال البطل الذي تألم لفراق حبيبته التي أنقذ حياتها من التعاسة والمرض النفسي لتموت بالطائرة المنكوبة، لماذا لم تجعلهم يتزوجون، وآهو البعض بيعتبره هو الآخر مأساة، لكنه ليس موجع كتلك التي أنهيت بها روايتك.

المختصر المفيد وإن كان أمل العشاق القرب، أنا أملي في حبك هو الحب، وإن غبت سنة، أنا برضه أنا، لا أقدر أنساك ولا لِيَّ غنا، ولا أتوب عن حبك أنا.