سحر الجعارة
(أناشد التجار والدولة لضبط الموقف، والحاجة اللى غليت شكرا مش عاوزين).. كانت هذه جملة للسيد الرئيس «عبدالفتاح السيسي»، فى إحتفالية تكريم المرأة المصرية والأم المثالية، قالها مباشرة بعد إعلانه عن رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات، ومنح علاوة استثنائية للعاملين، إلى جانب التوجيه بحركة ترقيات فى المصالح الحكومية.

يعلم الرئيس جيدا أن الشعب يعانى فى صمت، ويقدر ذلك قائلا: (الفضل لله ثم لكم فيما يحدث، جعلتم الأيام الصعبة تمر على مصر، والإجراءات اتعملت ولم يكن هناك احتجاج واحد، وهذه ليست إجراءات أمنية، لكنه أمر يستوجب أن نقف أمامه بمحبة واعتزاز وكانت هذه صورة مشرفة من المصريين).. ويعلم أيضا أن كل زيادة فى دخل المواطن تلتهمها زيادة الأسعار قبلها بليلة، فكل ما يفعله التجار هو استبدال الأسعار، ووضع لافتات بأسعار جديدة تصل إلى ثلاثة أضعاف السعر السابق، والحكومة تترك الأسواق لآليات «العرض والطلب» ولا تتدخل، لكن المشكلة أن الزيادة القادمة تتزامن مع بعد التحرير الكامل لأسعار الطاقة والوقود!.

وبالتالى فإن الزيادة المقررة قد تلتهمها سريعا فواتير الكهرباء والمياه والبنزين.. ثم يجد المواطن نفسه عاجزا أمام أسعار المأكل والملبس والمواصلات العامة، بزعم أن زيادة البنزين تؤدى بالضرورة لرفع أسعار كل السلع الأساسية لأنها تنقل من مكان لآخر.. قطعا لن تنزل الشرطة لضبط الأسواق أو إجبار صاحب «الميكروباص» على مراعاة حالة «الموظفين» وتقدير ظروفهم الصعبة.. فما هو الحل بدون الدخول فى متاهة السياسات الاقتصادية وشروط «صندوق النقد الدولى»؟!.

الحل- ببساطة- فى «سلاح المقاطعة»، فى ترشيد الاستهلاك أولا ثم فرض الإرادة الشعبية على الأسواق.. إنه نفس الشعب الذى بدأ حملات المقاطعة فى السبعينيات مع بدء ارتفاع أسعار اللحوم فى عهد الرئيس الراحل «السادات».. وكان شعار المظاهرات الاحتجاجية وقتها: (يا جيهان قولى للبيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه).. ثم شهدنا هذا العام كانت حملة «خليها تصدى»، التى أعقبت قرار تطبيق اتفاقية الشراكة الأوروبية من يناير الماضى، والتى بمقتضاها أصبحت الجمارك «صفراً» على السيارات أوروبية المنشأ، كذلك اتفاقية التجارة مع تركيا، التى بمقتضاها أصبحت الجمارك 10% فقط على السيارات المصنعة فى تركيا.

نحو 650 ألف مواطن أطلقوا حملة «خليها تصدى- زيرو جمارك»، على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، لمحاربة جشع التجار والوكلاء، سعيا لإيجاد سعر عادل بقيمة السلعة، والقضاء على استغلال المواطن البسيط من قبل مافيا التجار، وضبط إيقاع الأسعار للتخفيف عن كاهل المواطن وزيادة الرواج التجارى.. ونجحت الحملة فى إصابة سوق السيارات بحالة من الركود فى المبيعات!.

ورأينا بعدها حملات لمقاطعة شراء الدواجن أو الأسماك.. بنفس النمط والآليات.. فالسيطرة على الأسعار أصبحت مهمة شعبية قبل أن تكون رسمية لأننا نعيش فى ظل «السوق الحرة».. وكانت الأزمة الخانقة هى البحث عن «راتب عادل» يحدث التوازن مع الغلاء الذى واكب تحرير سعر الصرف، وقد تدخلت القيادة السياسية بحكمة ووعى لإحداث هذا التوازن.. ولكن قد يتحول المشهد إلى «مصارعة ثيران»، المواطن الذى كان يجرى خلف الحكومة يقبض زيادة الراتب أو المعاش.. ثم ينزل إلى «حلبة الأسعار» تلاحقه ثيران جشعة ومفترسة تلتهم ما حصل عليه فنعود للمربع «رقم صفر»!.

الرقابة الشعبية هى الحل.. و«سياسة الاستغناء» عن بعض الكماليات، خاصة فى ظل ارتفاع أسعار الأدوية فى مجتمع ملىء بالأمراض المزمنة مثل: (السكر وأمراض القلب والربو وغيرها)، وهذه فاتورة مرهقة لأى أسرة مصرية، ومقاطعتها تعنى الوفاة.

ارفعوا شعار الاستغناء، فعلوا سلاح «المقاطعة الشعبية»، اخلعوا ثوب الفريسة.. خلوها: (تصدى أو تكاكى أو تعفن).
نقلا عن المصرى اليوم