هانى لبيب
يعتمد كل إبداع حضارى على جذور الماضى، والحضارة البشرية لا تنمو ولا تزدهر إلا من خلال التفاعل بين تياراتها المتنوعة. إن الحوار الحضارى هو أهم مميزات شعوب البحر المتوسط ضد تيار الرجعية والظلامية الذى يحاول أن ينفث فى قلوب أبناء جيلنا روح التجمد والتقوقع والطائفية على الذات وقطع الحوار الحضارى.

أما مصطلح الغزو الفكرى أو الثقافى.. فهو وهم وأسطورة وإهانة لكياننا الثقافى العربى العريق، كما أن ترديد هذا المصطلح يعبر عن مركبات نقص وخوف وتقوقع، ولو كان ردده العباسيون من قبل، ما كان تراثهم الفكرى والفلسفى الضخم الذى ترجموه عن الغرب.. فالعزلة والتقوقع مستحيلان فى ظل ثورة المعلومات والاتصال التى جعلت من العالم الآن قرية كونية صغيرة.

إن كل انغلاق ثقافى هو نوع من خيانة الإنسان لنفسه كما خلقه الله، فالحضارة المسيحية ورثت الحضارة اليونانية، والحضارة الإسلامية العربية ورثت ما سبقها ومهدت لنهضة الغرب الأوروبى فى العصر الحديث، وعلينا فى صحوتنا الحالية أن نعود لننفتح على هذه الحضارة الغربية لنستثمرها فى نهضتنا وتقدمنا، خاصة فى مرتكزات العلوم والفنون الحديثة، فالإنسان كائن حضارى يُعمل عقله فى الإبداع الحضارى. وعظمة أى ثقافة تكمن فى إفساح المجال أمام تعدد الرؤى وتنوع التفاسير للكون والحياة.

إن كل طرف عليه أن يحترم شعور الطرف الثانى دون أن يعنى ذلك تخلى أى طرف عن عقيدته، ولقد كانت الحضارة الإسلامية حضارة شغوفة بالحياة من منطلق أن الإيمان دائماً ما يفيد البشر الذين يشملهم الله برحمته، لذلك لا يمثل الاختلاف الدينى خطراً على الإنسان وعلى الحضارة الإنسانية ما دام البشر يعيشون هذا الاختلاف من خلال الاحترام المتبادل والصادق والصريح، ومن هذا المنطلق يستطيع المصريون فى مصر أن يبنوا حضارة إنسانية واحدة.

وبالنسبة لدور الدين فى الحياة المعاصرة، فإن ثمة صحوة مستنيرة لكن قد يستخدمها البعض للتدمير، ويمكن أن تكون للإصلاح. فى الحالة الأولى يحدث التطرف والتعصب والطائفية والإرهاب، وفى الثانية تحدث الاستنارة وتعم المحبة والسلام. وهذا هو دور المسيحية والإسلام المطلوب لسد حاجات المجتمع إلى حالة التنوير الفكرى، والشخصية المصرية الخالدة اتسمت على مر عصورها بالاتزان والبعد عن العنف والمواقف العدائية، فمصر بهذا محصنة ضد كل تيارات التطرف والرجعية والتعصب. والمساحة المشتركة بين المسيحية والإسلام يمكنها دعم المصريين فى مقاومة التطرف وإشاعة جو غالب من التسامح والمحبة، حيث يعبد الجميع إلهاً واحداً رحيماً فيقر المسلمون بأنه «لا إله إلا الله»، كما يعتمد قانون الإيمان المسيحى على «أؤمن بإله واحد».

نقطة ومن أول السطر..

نموذج التقارب الحقيقى بين المسيحية والإسلام، هو المساحة المشتركة بينهما فى القيم والمبادئ الإنسانية، وهو ما نحتاج إلى الإيمان به والترويج له.
نقلا عن الوطن