سحر الجعارة
«سيدات مصر يستحققن منا شارعاً آمناً يسرن فيه باطمئنان، ومكان عمل متفهماً يعملن به، ومعاملة راقية فى كل مكان، تعكس تحضر شعبنا وعراقته».. من هذه الجملة للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى قالها فى كلمته خلال الاحتفال بتكريم المرأة المصرية والأم المثالية، أبدأ.. فأنت تستطيع أن تقرأ بين السطور أن رئيس الدولة يتأذى من التحرش بالنساء، من حصارهن فى أماكن العمل بأفكار رجعية وآراء سلفية، ولأنه يحترم المرأة ويبجّلها ويقدّر دورها يقول ببساطته المعهودة: «نحتاج بس نظبط تصرفاتنا وسلوكياتنا».

ثم ينتقل الرئيس لتفكيك «منظومة احترام المرأة» فى قرارات وقوانين ملزمة، أولها: «تكليف الحكومة بوضع التشريعات المناسبة التى تهدف لحماية المرأة فعلياً من كل أشكال العنف المعنوى والجسدى، آخذين فى الاعتبار أن الزواج المبكر قبل السن القانونية، والحرمان من التعليم أو من النفقة المناسبة لها ولأولادها فى حالة الطلاق، هى جميعها أشكال متعددة للعنف». وهذا معناه -ببساطة- تصدّى القيادة السياسية لكل الفتاوى السلفية التى وصلت لدرجة «زواج الطفلة فى بطن أمها»! واعتبار حرمانها من الحق فى التعليم أو نفقتها فى حاله الطلاق شكلاً من أشكال العنف.. أضف إلى ذلك مطالبة الرئيس بقانون «أحوال شخصية» جديد، وأنا أراهن على أن يأتى القانون منصفاً للرجال والنساء، ومحققاً للمزيد من «العدالة والمساواة» فى الحقوق والواجبات، وأن يرفع «القهر» عن المرأة المصرية. ركز الرئيس على الاهتمام بمشروع «مودة» للزواج، إذ قال: «لازم عمل متكامل وملزم لينا كأسر وشباب مُقدمين على الزواج، وآليات مُحكمة، عشان يتم إعدادهم بالشكل المناسب، كى ينجحوا فى بناء أسرة». ومشروع «مودة» كما كشفت «غادة والى»، وزيرة التضامن الاجتماعى، يعمل على تطوير آليات الدعم والإرشاد الأسرى، وكذا فض المنازعات، بما يسهم فى خفض معدلات الطلاق، ومراجعة التشريعات التى تدعم كيان الأسرة وتحافظ على حقوق الطرفين والأبناء، كما يسعى لخلق «وعى عام» بين المقبلين على الزواج.. لكن دعونى أتوقف هنا عند خطوة: «تطوير مادة علمية (اجتماعية، دينية، صحية)، بمشاركة مجموعة من الأساتذة المتخصصين، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان»، فهذا البند كفيل بالقضاء على كافة الممارسات الشاذة التى أفرزت سوقاً للاتجار بالنساء فى قرية مثل «الحوامدية».. وقد كنت من المشاركين فى مؤتمر «السكان» ثم مؤتمر المرأة بـ«بكين»، وأعرف معنى «الصحة الإنجابية» جيداً كما تنص عليها الاتفاقيات الدولية التى وقعتها مصر.

ومن الصحة الإنجابية إلى الصحة العامة، فقد جاء توجيه الرئيس بدراسة القيام بمسح شامل على النساء للاكتشاف المبكر للأورام السرطانية، والتى تقطف أرواح النساء فى عمر مبكر، أو لعدم قدرتهن على تكلفة العلاج!

وأتمنى ألا تقتصر الحملة على فحص ظاهرى للنساء، فهناك وسائل طبية محددة للتنبؤ بسرطان الثدى -مثلاً- لأنه الأكثر انتشاراً بين النساء، منها: «أشعة الماموجرام، واختبارات علامات الأورام فى الدم».

ورغم أهمية ما سبق لأنه يتعلق بالأسرة التى هى المكون الأساسى لأى «مجتمع صلب»، فإننى توقفت فى الخطاب أمام دعوته «إلى تحقيق المزيد من المشاركة السياسية، والمزيد من المشاركة فى مختلف القطاعات».. فتمكين المرأة سياسياً ومهنياً، وخلق مناخ حاضن يقدّر دور المرأة العاملة ويرفع المعاناة عن الغارمة ويساعد المعيلة ويكرّم من ضحت وقدمت أبناءها فداء للوطن أو أسهمت بعلمها وجهدها فى رفعة الوطن وتحقيق نهضته.. كل هذا لا بد أن يترجم فى تشريعات ملزمة للجميع، فى إطار قيمى واجتماعى وأخلاقى يستبدل «الثقافة السلفية» السائدة بالوعى والتنوير.

وليس رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات، ومنح علاوة استثنائية للعاملين، وتوجيه الرئيس بحركة ترقيات فى المصالح الحكومية إلا سعياً لرفع مستوى معيشة الأسرة، ورفع المعاناة عن المرأة التى تحملت آثار الإصلاح الاقتصادى فى صبر وجلد.

سيادة الرئيس.. «دمت نصيراً للمرأة».
نقلا عن الوطن