أحب تكريم الرئيس والدولة للمرأة والأمهات، وأحرص على حضور هذا العيد كل عام، ولولا ظروف السفر لما فوَّتّه هذا العام، لكن رغم بُعدى اهتممت كالعادة بالمتابعة، وغُمرت كالعادة بالمشاعر.. الأم أعظم من اختصارها فى كلمات.

فأن تلدى أبناء وتربيهم تربية المضطر، وتقدمى لهم «الخدمات» بغريزة الأمومة العظيمة التى فُطرتِ عليها، وفُطر عليها كل مخلوقات الله، حتى غير العاقلة منها، هذا أمر، رغم روعته، «عادى».. ما أسهل أن يكبر أولادك يربيهم المجتمع وتعلمهم الشاشات ما تقودهم إليه أقدارهم.. كلها أمور عادية تنتج أشخاصًا مُشوَّهين، أو على أفضل التقديرات عاديين.. أرقام فى عِداد البشر.. الأمومة تحدٍّ على كل حال.. لكن أن تكونى أمَّ الرجال، فهذا شأن آخر.
أم الرجال.. هى أم علمت أبناءها الإنسانية.. أم الرجال تُهدى الإنسانية بشرًا يفرحون ويحزنون.. ينجحون ويفشلون، ولكنهم فى كل أحوالهم طاقة حب ورحمة لمَن حولهم.. فما أقسى أولئك الوحوش الذين نراهم حولنا يقتلون كل شىء جميل بداية ممن يكسرون النظام، ويلوِّثون الشوارع، مرورًا بالظالمين للعباد، والذين لا يدركون شرف الخصومة وانتهاء بناحرى الرؤوس!!.
 
أم الرجال.. هى الأم التى علمت أبناءها الوطنية بمعناها الحقيقى.. الوطنية أن تكون فى خندق الوطن على كل الأحوال.. أن تنحاز لوطنك مؤيدًا أو معارضًا.
أم الرجال.. علمت أبناءها الدين.. علاقة المخلوق بالخالق.. لا قشورًا مظهرية يزايدون بها على الناس.. وهى أم رحمت أرواحهم فلم تشوهها بكراهية الآخر والمختلف، فيصبحون مسخًا لا هم نجحوا فى أن يعبدوا الله كما يرون، ولا تركوا غيرهم يبحث عنه ويعبده!.. أم الرجال تمهد الطريق لله وتجعله يسيرًا مُحبَّبًا قريبًا.
 
أم الرجال أم لن تكفيها سطور المقال.. فالتفاصيل أكثر وأكبر من أبناء أكلوا، وشربوا، وكبروا، ونجحوا بالصورة التقليدية للنجاح.
 
وسيبقى التكوين الوجدانى للإنسان سرًا يسكن فى التفاصيل التى عاشها مع أمه أو مَن قامت بدورها فى حياته.. ماذا قالت له عن المال، وماذا قالت له عن الحب.. عن المرأة.. عن الرجل.. متى علّمته أن يتحمل، ومتى علّمته أنه لا بأس من البكاء!.. متى اهتمت ومتى ابتعدت لتعطيه مساحة من الاستقلال.. متى اهتمت بصورته فى المجتمع ومتى حرّرته من سجن رأى الناس؟!.
 
إن وطننا مثلنا.. فى أشد الحاجة إلى إعادة صناعة الإنسان، لا يوجد سند لنا فى تعليم مستنير أو منظومة أخلاقية عامة تخلق أشخاصًا أسوياء.. كلها أمور معدومة التأثير إن لم يكن تأثيرها سيئًا، إلا مَن رحم ربى، لهذا فلا سند لنا سوى فى الأمهات الجديدات المؤتَمَنات حاليًا على جيل قادم.. أولئك هن الأمل.
يومكم أمل.. وغدكم سعيد.
نقلا عن المصرى اليوم