مي عزام
(1)
منذ عشرة أيام، أعانى من انقطاع خط التليفون الأرضى، وبالتالى الإنترنت المنزلى. الشركة المصرية للاتصالات لديها عدة وسائل لتلقى الشكاوى: خط ساخن برسائل مسجلة و«كول سنتر»، وبريد إلكترونى، جربت الوسائل الثلاث، بالإضافة إلى البلاغ الشخصى في السنترال، وفى جميع الحالات لم أتلقَّ إجابة عن سبب العطل، ومتى سيتم إصلاحه.. فقط عبارة: هناك عطل جسيم وتم تسجيل بلاغك.

الشركة استوردت أحدث أجهزة التواصل مع العملاء وتلقى شكواهم، لكنها لم تهتم بالمفهوم الأصلى للخدمة، وهو العمل على حل المشكلة، وإعلام الشاكى بالمستجدات، وليس مجرد تسجيلها.

(2)
ضبابية المفاهيم هي أزمة مصر الحقيقية، وليس نقص الإمكانيات، تغيير المفاهيم يحتاج وقتا ومجهودا لكنه مؤثر ومستمر، دولتنا اختارت شراء العبدولا تربيته، نفس تفكير د. طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، حين أراد إحداث تغيير جذرى سريع في منظومة التعليم، استخدم «التابلت» على اعتبار أنه مصباح علاء الدين الذي سينقل التلميذ المصرى من مفهوم مناهج التلقين والحفظ إلى الإبداع والابتكار في غمضة عين على بساط الريح، في اعتقادى كان الأهم تدريب المدرس على مفاهيم المناهج الحديثة، وتحسين ظروفهم المادية، وكذلك تحسين أحوال المدارس واستعادة الاهتمام بالأنشطة الرياضية والعلمية والفنية فيها، حتى يستطيع الطالب أن يكتشف مواهبه مبكرا، ويتم توجيهه للمجالات التي يمكنه أن يبدع فيها، التابلت لن يقوم بهذا الدور فهو ليس جهازا لكشف المواهب، لكنه وسيلة اتصال ليس إلا.

(3)
نشر د. غالى شكرى رسالته للدكتوراه في كتاب بعنوان «النهضة والسقوط في الفكر معه المصرى الحديث» عام 1978، أثار صدوره جدلا واسعا، فلأول مرة ترد لفظة «السقوط» مقترنة بالنهضة، فالنهضة التي بدأت في القرن التاسع عشر على يد محمد على باشا كانت تحوى- حسب شكرى- عوامل سقوطها، فلم تحقق لها أرضية اجتماعية واقتصادية قادرة على حمايتها، ومن هنا أصبحت معرضة للسقوط، بل إن فترات السقوط أكبر بكثير من فترات النهوض، وهو نفس ما حدث في عصر ناصر.

كتب غالى شكرى عن محاولة الدولة التوفيق بين القديم والحديث، بالإبقاء عليهما متجاورين، دون محاولة مزجهما ليصبحا في النهاية تيارًا واحدًا، مما أدى في النهاية للحفاظ على شكل نهضوى، دون مضمون حداثى.

وطبقا لغالى شكرى فتحقيق ثورة ثقافية شاملة وتغير في التفكير والرؤية كان لا بد أن يصاحبه الاعتراف بالتعدد والتنوع والحرية والديمقراطية، وهو ما لم يحدث.

(4)
لدينا محاولات تلفيقية مزيفة لاستيراد مظهر حداثى مع الإبقاء على أصول الرجعية وجذورها التي مازالت ضاربة في الوعى واللاوعى الشعبى، ومن ثم لا نجد تغيرا في السلوك ولا نهضة حقيقية في الأفق، وزير التعليم استخدم أحدث وسائل الاتصال الحديثة، دون أن يكون لديه قاعدة بشرية بمفاهيم عصرية تواكب رؤيته وقادرة على تنفيذها والابتكار في حال وقوع مشكلة لم تكن موجودة في المخطط، وهو نفس خطأ الشركة المصرية للاتصالات.

(5)
النظام التعليمى الذي يطرحه الوزير يقوم على تنمية الابتكار والإبداع والقدرة على المقارنة والنقد وطرح الأسئلة، في حين أن المناخ العام في مصر، وبين أوساط واضعى أهداف التعليم المصرى، يروج لتكوين نمط موحد من الأفراد لتحقيق التماسك الاجتماعى بهدف القضاء على الاختلافات الفكرية، تجاور القديم والجديد، فلمن ستكون الغلبة؟

(6)
مصر لا يمكن أن تحقق مفهوم الحداثة بشراء منتجاتها، دون الأخذ بشروطها الأساسية، وهى الحرية والديمقراطية والقبول بالتنوع والتنافسية والشفافية، من يتصور أن توفير مظاهر الحداثة كفيل بتحقيقها فهو واهم، اكتفينا من الحداثة بدور المستهلك لا المنتج، في أسواقنا أحدث المنتجات العالمية، لكن عقولنا مسكونة بمفاهيم في الحكم والتعليم والسلوك الاجتماعى تعود لزمن فات، وحتى الآن لم ننجح في المزج بين مفاهيم الأصالة والمعاصرة، والنتيجة عطل جسيم في «السيستم».
نقلا عن المصرى اليوم