الأقباط متحدون - فاطمة ناعوت تكتب.. العسراءُ الجميلة التي اغتالتها يدُ صهيون
  • ٠٥:٤٤
  • الاثنين , ٢٥ مارس ٢٠١٩
English version

فاطمة ناعوت تكتب.. العسراءُ الجميلة التي اغتالتها يدُ صهيون

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

٤٦: ٠٦ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٥ مارس ٢٠١٩

سميرة موسى
سميرة موسى

فاطمة ناعوت
فى هذا الشهر، مارس، عيد ميلاد العسراء الجميلة، ابنة محافظة الغربية، التى خطفها الموتُ غدرًا فى أوج إشراقها؛ لأن عقلَها كان خطرًا على تجارة السلاح العالمية حين أوشكت أبحاثُها وتجاربها على ابتكار قنبلة ذرية من مخلفات المعادن الرخيصة. فتقرّر تصفية تلك العقلية المصرية العبقرية بأمريكا عام ١٩٥٢، ولم تُكمل عامها الخامس والثلاثين.

تفوّقت طوال سِنى دارستها: كُتّاب القرية، ثم المدارس القاهرية، ثم الجامعة. وكان لتفوّقها صدى عند الحكومة المصرية آنذاك، فقدّمت منحةً سنوية للمدرسة التى ترعى هذه النبتة المصرية العبقرية. وأنشأت ناظرةُ مدرسة «بنات الأشراف» الثانوية معملَ فيزياء خصيصًا من أجل التلميذة المتفوقة، التى حصلت عام ١٩٣٥ على المركز الأول على مستوى القُطر المصرى فى الشهادة التوجيهية. وكانت مؤهلةً لدخول كلية الهندسة، التى فى أعلى سُلَّم التنسيق الجامعى، لكنّها التحقت بكلية العلوم، لشغفها بالفيزياء. وتخرجت كالعادة أولى دفعتها. ولم تسمح اللوائحُ بجامعة «فؤاد الأول» بتعيين البنات فى سلك التدريس آنذاك. فوقف العالمُ المصرى العالمى مصطفى مشرّفة فى وجه سدنة المجتمع الذكورى داخل أسوار الجامعة من الأساتذة الإنجليز، وهدّد باستقالته من عمادة كلية العلوم، إن رُفض تعيين الخريجة النجيبة «معيدة»، بوصفها الأولى على دفعتها فى بكالوريوس العلوم. وأصبحت «سميرة موسى» أول معيدة فى كلية العلوم بجامعة القاهرة فى ثلاثينيات القرن الماضى. وأنجزت رسالة الماجستير حول «التواصل الحرارى للغازات»، ثم سافرت إلى بريطانيا لدراسة الإشعاع النووى، وخلال عام ونصف أنجزت الدكتوراة فى الأشعة السينية (X- Rays) وتأثيرها على خواص المواد. ثم واصلت البحث حتى وصلت إلى معادلة فيزيائية خطيرة، سيكون فيها مقتلها: «تحويل فُتات المعادن الرخيصة إلى قنبلة ذرية»؛ لتكون فى متناول جميع الدول؛ حتى الفقير منها. ورفضت الدوائرُ العلمية تدوين المعادلة التى سيكون فيها خرابٌ على صناعة السلاح فى العالم، وانتهاء احتكار دول بعينها للقنابل النووية.

كان حُلم تلك الصبية الوطنية أن تدخل مصرُ إلى حقل التسلّح النووى ليكون لها مكانٌ على خريطة التقدم العلمى التى فيها الكلمةُ العليا للأقوى سلاحًا وعلمًا وصناعةً. كانت تدرك أن امتلاك السلاح النووى هو أرضية تحقيق السلام من منطلق القوة، لا الضعف، فى عالم متوحّش أشعل حربين عالميتين هائلتين دمرتا شطرًا كبيرًا من العالم. خافت على مصر من مصير اليابان فى هيروشيما وناجازاكى عام ١٩٤٥، المدينتين اللتين دكّتهما القنبلة الذرية الأمريكية دكًّا. وبعد قيام دولة إسرائيل وإصرارها على الانفراد بالتسلّح النووى فى المنطقة العربية، خافتِ الجميلةُ على وطنها؛ فأرادت أن يكون لمصر ظهيرٌ نووى تردّ به الأذى عن نفسها وعن المنطقة العربية. وفورًا أسّست «هيئة الطاقة الذرية»، بعد شهور من إعلان دولة إسرائيل المحتلة على أرض فلسطين عام ١٩٤٨، ونظمت وفودًا مصرية للسفر فى بعثات علمية لدراسة علوم الذرّة. وواصلت المناداة بالتسلح النووى للوقوف على أرض النديّة أمام الكيان الصهيونى الاستعمارى الآخذ فى الاستقواء بقوتى: السلاح النووى والدعم الأمريكى. ونظّمت فى كلية العلوم مؤتمرًا عالميًّا شارك فيه عددٌ من علماء العالم، أطلقت عليه: «مؤتمر الذرّة من أجل السلام»؛ لتنشر فكرتها أمام العالم: «تطويع الذرّة لعلاج الإنسان من السرطان، وليس لقتله».

وكان لابد للعدو من وضع نهاية لتلك الحياة الثرية الحافلة بالعلم والوطنية والامتياز العقلى. بعد استجابة د. سميرة موسى لدعوة من أمريكا لإجراء أبحاثها فى معامل جامعة سان لويس بولاية ميسورى الأمريكية، وحاولوا استقطابها للبقاء هناك للتدريس. ولكنها رفضت وأصرت على العودة لمصر التى لا تعرف لها وطنًا غيرها. وقبل عودتها بأيام بعد زيارة معامل نووية فى ضواحى كاليفورنيا، دهم سيارتَها لورى ضخم فسقطت مهشمةً فى واد سحيق. حدث هذا بعد تصريح خطير قالت فيه: «لو كان بمصر معملٌ مثل هذا؛ لأنجزتُ الكثيرَ لبلادى. وحين أعود سأنشئ مثله لتطوير تجارب الطاقة النووية لخدمة قضية السلام من منطلق القوة». تحية احترام لروح الوطنية الخالدة: «سميرة موسى».

«الدينُ لله، والوطنُ لَمن يُحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع