الأقباط متحدون - حسن البنا.. الصندوق الأسود «2»
  • ٠٨:٤٧
  • السبت , ٢٣ مارس ٢٠١٩
English version

حسن البنا.. الصندوق الأسود «2»

مقالات مختارة | نبيـــل عمــــر

٢٩: ٠٣ م +02:00 EET

السبت ٢٣ مارس ٢٠١٩

حسن البنا
حسن البنا

نبيـــل عمــــر
كلنا يعرف أن شركة قناة السويس هي التي منحت حسن البنا 500 جنيه تبرعا أسس بها أول مقر لجماعة الإخوان في الإسماعيلية، وهي معلومات واردة في كل أدبيات الجماعة سواء من التابعين لها أو الرافضين لوجودها. بل إن حسن البنا نفسه كتب - في مذكراته التي نشرها - مقالات دورية في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية في عام 1942، أنه أخذ المبلغ من البارون دي بنوا رئيس الشركة.

آسف..هذه معلومات مغلوطة عمدا مع سبق الإصرار والترصد. أولا: لم يكن رئيس شركة قناة السويس في عام 1928 اسمه «دي بنوا»، بل لا تذكر  سجلات الشركة مديرا ولا موظفا بهذا الاسم علي الإطلاق.

ثانيا: لا يوجد أصلا تبرع في ميزانية الشركة بمبلغ خمسمائة جنيه لأي جمعية في ذلك الوقت، لا باسم جماعة الإخوان ولا باسم حسن البنا. باختصار أخفي حسن البنا اسم المتبرع الحقيقي، واخترع بدلا منه اسما وهميا. إذن للحقيقة وجه آخر..يرسم الأستاذ ثروت الخرباوي ملامحها بدقة متناهية، بخطوط منتقاة بعناية من سجلات الشركة وشهادات من أهل الجماعة ومذكرات العضو الأبرز في التنظيم الخاص عبد الرحمن السندي. يقطع الخرباوي في كتابه «سر المعبد..الأسرار الخفية لجماعة الإخوان، الجزء الثاني»، بأن المتبرع هو الماركيز « لويس أنطون مِلْكْيور دي فُوجْوِي»، الذي تسلم مهام عمله مديرا لشركة قناة السويس في أبريل من عام 1927، كما هو مدون في سجلات الشركة، ولم يترك الشركة ويعود إلي بلاده إلا في مارس عام 1948، وتحديدا في اليوم التالي لقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلي دولتين، وتدويل منطقة القدس.

والماركيز دي فوجوي من عائلة فرنسية عريقة، تملك بنك فرنسا، وهو رئيس منظمة «التبصير»، التي تتبع المحفل الماسوني الفرنسي، وتابع مطيع لماسوني بريطاني حاصل علي لقب الأستاذ الأعظم هو أليستر كراولي، الذي وصفته مجلة اللطائف المصرية في عام 1932 بأنه «الرحالة الشهير والمُنجِّم الكبير»، في سلسلة مقالات عن دين جديد هو «الثيلما»، وأليستر كان نبي هذا الدين الجديد. بالمناسبة كان صاحب اللطائف هو إسكندر مكاريوس ابن شاهين مكاريوس أحد كبار المحفل الماسوني في مصر. لا تتوقف المفاجأة عند صاحب التبرع وأفكاره ومذهبه، وقدومه إلي الإسماعيلية في عام 1927، إذ  يتخلي حسن البنا عن استكمال تعليمه بكلية دار العلوم التي أوهمنا أنه تخرج منها، ويكتفي بتجهيزية دار العلوم، ويرحل إلي الإسماعيلية مدرسا للخط العربي في مدرسة ابتدائية. واختياره الإسماعيلية بالذات له حكاية تعود إلي أليستر كراولي.. الذي نزل إلي مصر  بدينه الجديد «الثيلما» مع البارون إمبان مؤسس حي مصر الجديدة في عام 1904، وكراولي باحث في الأديان وتاريخ مصر القديمة واللغة الهيروغليفية،  وتعلم السحر وكتب الشعر، وألف كتبا منها: سفر الأسفار بالعبرية، والقانون الذي يشرح فيه ديانة الثيلما وطبيعة الإله بافوميت، الذي اتحد مع إبليس ليجمع بين القوة والحكمة والنور. وتعرف حسن البنا علي أليستر كراولي في عام 1926، في دار الكتب بحي باب الخلق، وأليستر هو الذي عرفه علي الماركيز دي فوجوي حين تسلم عمله مديرا للكوبانية «الاسم الشائع لشركة قناة السويس وقتها».هنا عدل حسن البنا مساره، وذهب خلف دي فوجوي إلي الإسماعيلية ليؤسس جماعة الإخوان، ويلصق باسمه لقب الأستاذ، الذي لم يكن يستخدم في مصر، فمصر كانت تعرف الأفندي والبك والباشا والشيخ، والأستاذ كان رتبة ماسونية وقتها.

لماذا الإسماعيلية؟ الإجابة الشائعة تتعلق بعلاقته مع المحتل البريطاني، فتأسيس جماعة دينية من المؤكد سوف تثير  خلافات ومعارك ونزاعات تشغل البلد عن قضيتها الوطنية، والطموح يورط صاحبه في التعاون مع الشيطان من أجل الوصول لهدفه،  وهذا ما يفسر أيضا عمله مع إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء  ونفاقه للملك فؤاد ثم ابنه فاروق..

 وهي إجابة صحيحة.. يضاف إليها إجابة جديدة يتبناها ثروت الخرباوي في «سر المعبد»، وفي البحث عنها يعود إلي أحوال مدينة الإسماعيلية في عام 1925، وبالتحديد ما ترصده جريدة المقطم لسان حال الاحتلال البريطاني وقتها، وأولها خبر يقول عنوانه: عمل إجرامي خسيس قام به مجرم رذيل، ونصه: تفجير قنبلة في سفينة فرنساوية كانت في طريقها لإفريقيا، ولكن الله سلم وحفظ الركاب والبضائع، واستطاع طاقم السفينة بمعاونةالعمال المصريين الأشداء إطفاء الحريق، ولم يستطع البوليس لحد الآن معرفة الفاعل. كان هذا الحادث بعد أن قتل مجموعة من الشباب المصري الوطني «السير لي ستاك» القائد الإنجليزي للجيش المصري.

بعدها زاد معدل اعتداء المصريين علي موظفي شركة قناة السويس الأجانب. وكان لابد أن تنشغل المدينة بشئ آخر شديد الجاذبية. هذه الحوادث التي وقعت قبل 86 عاما لا تفسر فقط عمق الروابط التي تجمع الجماعة بالغرب حتي الآن، وإنما تكشف أسباب حريق المجمع العلمي المصري في عام 2011، فأعداد جريدة المقطم بعد أن توقفت عن الصدور في عام 1952، طلب عبد الناصر من وزير ثقافته الدكتور ثروت عكاشة أن يجمعها ويحتفظ بها في المجمع العلمي.. ويبدو أن حرقه كان محاولة لطمس المعالم والآثار التي ترتبط بتأسيس جماعة الإخوان في الإسماعيلية بالذات. يبقي سؤال في غاية الأهمية: من قتل حسن البنا؟ الإجابة الشائعة: البوليس السياسي ردا علي مقتل النقراشي باشا رئيس الوزراء علي يد الجماعة. يبدو إن ثمة إجابة مختلفة في انتظارنا، والمدهش أنها تبدأ بسؤال ساذج لم نفكر فيه من قبل: هل يمكن أن يرسل الأميرالاي محمود عبد المجيد سيارته وهو مدير المباحث الجنائية بوزارة الداخلية لتكون أداة هروب الفاعلين؟، هل هذا التصرف ينم عن عقلية ضابط مباحث  مُدرب أم شخص علي باب الله يُبلغ عن نفسه!

السؤال له وجاهة، لأن الأميرالاي محمود كان مشهودا له بالحنكة والبراعة والخبرة التي أهلته ان يشغل منصب مدير المباحث في القطر المصري. باختصار يعلق الخرباوي حبل الاتهام في رقبة التنظيم الخاص، بعد علم أعضائه أن زعيمهم حسن البنا قرر أن يسلم اسماء أعضاء التنظيم للحكومة، بعد بيانه الشهير: ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين. وبمقتل البنا حافظ التنظيم الخاص علي تكوينه دون مساس. وللحديث بقية.
نقلاعن الاهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع