الأقباط متحدون - حول العدل فى تعدد الزوجات
  • ٠٩:٠٦
  • الجمعة , ٢٢ مارس ٢٠١٩
English version

حول العدل فى تعدد الزوجات

مقالات مختارة | عادل نعمان

١٦: ١٠ ص +02:00 EET

الجمعة ٢٢ مارس ٢٠١٩

عادل نعمان
عادل نعمان

عادل نعمان
سوف يأذن الله لنا يوما بمنعه أو تقييده بقانون، وفقا لتفسير بعض المجددين، وسيعلم الباقون منهم أن معنى «وإن خفتم فواحدة» شرط مانع حاجب، وحق مقيد يرتقى لمستوى التحريم، وسيقتنع المنادون بالتعدد، وحق الرجل المطلق فيه دون ضرورة أو حاجة، أن في التعدد ظلماً للمرأة «تعدد الزوجات يحمل ظلما للمرأة وللأبناء في كثير من الأحيان»، كما صرح بذلك فضيلة الإمام الأكبر، بل زادنا من كرمه وفضله ما يلى: «فإذا كانت الصلاة مشروطة بالوضوء ولا تصح إلا به، فكذلك التعدد مشروط بالعدل لا يقام إلا به، وكما أنه لا تقبل الصلاة إلا بالوضوء، فلا يقبل التعدد إلا بالعدل، وإن لم يتحقق العدل بين الزوجات يحرم التعدد، ولأن الرخصة مشروطة بالعدل، وليست متروكة للتجربة الشخصية، تدخل وتتزوج بالثانية فإذا عدلت تستمر، وإن لم يتحقق العدل تطلق، فإن الخوف من عدم العدل يحرم هذا التعدد، لقوله (فإن خفتم)».. هذا ما قاله فضيلة الإمام. نعم فضيلتك، نحن معك فيما قلته، مهما حاولوا أن يطمسوه، خلاصة ما قلته فضيلتك في أربع كلمات «دون العدل يحرم التعدد» وهذا ما قاله الإمام محمد عبده «تعدد الزوجات محرم قطعا عند تعذر العدل» والعدل ليس في مفهوم المنغلقين في المبيت فقط، بل هو مطلوب على معناه الواسع، ويتمدد تبعا لما يقره المجتمع ويستحدثه من أشكال المساواة والمتعة من فترة لأخرى، والعدل على شموله، في الكلام والوقت والمسكن والمبيت والهدايا والفراش والتنزه، فهذا ابن سيرين يرى وقوع الظلم «فيمن له امرأتان ويكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى» وهذا ليس حفاظا على المرأة فقط، بل حفاظا على الأسرة والأولاد، وهذا ما قاله بن عثيمين الوهابى حتى النخاع، «وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يسن أن يقتصر على واحدة، وعلل ذلك بأنه أسلم للذمة من الجور «وإن خفتم فواحدة» لأنه إذا تزوج اثنتين أو أكثر فقد لا يستطيع العدل بينهن، وأنه أقرب إلى منع تشتت الأسرة، فتكون أولاد لهذه المرأة، وأولاد للأخرى وربما يحصل بينهما تنافر» ومن الفقهاء الكثير الذين استحبوا واحدة، وأكتفى هنا بالإمام الشافعى «وأحب له أن يقتصر على واحدة وإن أبيح له أكثر» ومنهم من حرمه تحريما قاطعا. وأؤكد على أن الإسلام لم ينشئ التعدد، بل نظمه وحدده، ولم يوجبه وإنما رخصه وقيده بالعدل، فالإسلام حين جاء كان الزواج مفتوحا وبأى عدد، على القدرة والاستطاعة والوسعة، ومعهن ملك اليمين والجوارى، فأطلق ملك اليمين والجوارى دون قيد، ورخص بأربع فقط للزواج، ولم يلزم بالتعدد، فإذا كان ملزما وواجبا وحكما، فلماذا حجبه الرسول عن على بن أبى طالب حين رفض زواجه من أخرى على ابنته فاطمة؟ ولماذا اعتبر زواجه عليها أذى وضررا لها، إلا إذا كانت رسالته للناس «يمنع التعدد مع الأذى والضرر» سواء للزوجة أو الأولاد أو المجتمع، وهو الرسول الملتزم بتعليمات الله والذى قال «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها» فالأول غير ملزم والثانى ملزم، الأول اختيارى والثانى جبر في عهده وأوانه، والتعدد أمر مجتمعى، مرهون بتنفيذ العدل والمصلحة، والمصلحة هنا مصلحة الأسرة والمجتمع، وإذا رأى ولى الأمر مصلحة في تقييده أو تنظيمه أو منعه فلا حرج عليه.

كيف نقيده وننظمه ونقيم العدل كما جاء في الآية «وإن خفتم»؟ أولا: ليس معنى مخاطبة القرآن للناس بصيغة الجمع «خفتم» أو «يا أيها الناس» أن الأمر متروك على هوى الناس فرادى أو جماعة عن الأخرى، كما يفسرها بعض المفسرين، وإنما الخطاب مجتمعى منظم يحكمه القانون والحاكم، الدولة، لأن الضرر والأذى يصيب المجتمع ولا يصيب الفرد دون غيره، وليس من الحكمة أن نترك خطأ الأفراد يستفحل ويؤذى الناس والمجتمع، حتى يلقوا ربهم ليحاسبهم يوم القيامة، لأن كثرة الإنجاب من كثرة التعدد في الفئات الفقيرة والمهمشة تصيب المجتمع بالضعف العام في الصحة والعلم والأخلاق، ويدفع ثمنها المجتمع في صورة مرض وجهل وجريمة وإرهاب.

ثانيا: ولما كان هذا الأمر يفسد ويصلح الأمة إذا أسىء أو أحسن استخدامه، يصبح مبدأ تحقيق العدل منوطا بالحاكم «القانون» يضمنه ويحافظ عليه لكل الأطراف، بل يبقى عليه، فمن رغب في التعدد كان أمره إلى القضاء، ليس لتقديم مبرراته وأسبابه فهذا أمر يخصه، لكن ما يخص القاضى قدرته المالية على الإنفاق على الجميع القديم والجديد، وتحمل تبعات وأعباء الأسر التي في كنفه ورعايته، والطارئ الجديد، فإذا كان الرجل قادرا على ذلك، فليحمل من النساء ما شاء واستطاع، على أن تضمن المحكمة حقوق الغير، ضمانا أكيدا لا خوف ولا تهرب ولا تدليس ولا فكاك منه، بأى صورة من صور الضمان والالتزام والاستمرار، وإلا فليصمت ويحمد الله على زوجة واحدة، فليس الحق المطلق مفتوحا في كل زمان ومكان، صحراء البدو الواسعة الممتدة دون خيوط وشوارع وتصميمات تسير الناس فيها على هواها، تبرطع دون مخالفة أو لوم، فإذا ما وصلها العمار والحضارة والنظام والترتيب سار الناس على هوى القانون والنظام وسلامة المشاة، ومن خرج عن النظام حوسب وعوقب لمصلحة كل الأطراف، هكذا كان التعدد عند البدو وعند الحضر ويجب أن يكون.
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع