الأقباط متحدون - المجد للمرأة فى روما
  • ١٤:١٢
  • الثلاثاء , ١٢ مارس ٢٠١٩
English version

المجد للمرأة فى روما

مقالات مختارة | خالد منتصر

٤٦: ٠٦ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٢ مارس ٢٠١٩

خالد منتصر
خالد منتصر

خالد منتصر
عندما انتهيت من مشاهدة فيلم «روما»، أمس، على شبكة «نتفيلكس»، باغتتنى دمعة شجن مع آهة إعجاب، كيف استطاع هذا الشريط السينمائى الأبيض والأسود أن يكتب تلك القصيدة الرائعة فى تمجيد المرأة، يكتبها دون صراخ أو شعارات أو صراخ مظاهرات النشاط النسوى؟!

الخادمة «كليو» تكاد كلماتها لا تملأ صفحة من ثرثرات مسلسلاتنا طويلة التيلة، لكن نظراتها المعبرة تترجم مجلدات وقواميس ومعاجم.

الأحداث فى مكسيك السبعينات وأحداث مظاهرات الطلبة الساخنة خلفية باهتة للأحداث، رب البيت طبيب، زوجته مدرسة كيمياء حيوية، لديهما أربعة أولاد، الخادمة فى منتهى الإخلاص، يحبها الأولاد وهى تحبهم بجد، تتزامن خيانة الأب الطبيب وسفره لكندا الذى لا يعود بعده، مع خيانة الصعلوك الذى يتعلم فنون القتال للخادمة «كليو» وهروبه منها فى السينما بعد علمه بحملها، تمسك بمعطفه بعد البحث عنه فى صالة السينما وتجلس فى الشارع تحتضنه وتحتضن المجهول، تخبر الأم صاحبة البيت التى قررت هى الأخرى العمل فى المكتبة التى تحبها وترك الكيمياء الحيوية التى تكرهها، تسندها وتدعمها هى والجدة، وتشارك فى الدعم الطبيبة زميلة الأب الخائن.

قوة وتماسك «تاء التأنيث» فى الفيلم تتسلل إليك وتفضح مجتمعاً ذكورياً شعاره كن نذلاً واهرب من مسئوليتك وألقِها على عاتق أنثى أنهكتها تروس عجلة الحياة التى لا ترحم.

تستعين السلطة بالبلطجية ومنهم الخائن صديق «كليو»، يهاجم بكل صفاقة وبرود فلول المتظاهرين فى المحل الذى كانت «كليو» تشترى منه سرير الطفل المقبل، يهاجمها المخاض، تنتقل إلى المستشفى، وفى مشهد بديع وإيقاع لاهث، نحضر ولادة الطفل الميت المولود من علاقة ميتة مشوهة، نراقب دموع «كليو» التى تحتضن الجثة الزرقاء التى ستدفن أمانيها معها، هى على سرير تنقل نظرها ما بين بطنها وهى تلفظ مشيمتها وما بين طفلها وهو يصارع الموت.

المشهد البديع الآخر اختار له المخرج زاوية تصوير عبقرية، الموج المتلاطم يضرب عدسة الكاميرا ويلطمنا معها، «كليو» التى لا تجيد السباحة، تلقى بنفسها فى البحر لتنقذ طفلَى الأسرة من الموت فى إحدى رحلات الاستجمام على الشاطئ، تصارع الموج وكأنها تغتسل من الماضى، من الغدر، يمتزج ملح الدمع بملح البحر.

تفاصيل الصورة فى فيلم «روما» الذى هو أحد أهم أحياء المكسيك، كادرات وتكوينات ومشاهد طويلة تنقل أحاسيس تغنى عن ألف كلمة، على سبيل المثال ركن السيارة الضخمة فى مدخل المنزل مرة بواسطة الزوج ومرة بواسطة الزوجة، من الممكن أن يسأل المشاهد لماذا كل تفاصيل هذا الركن وكأننا نتعلم القيادة؟!، ومن العادى أن يعتبرها مللاً ورتابة، لكن عندما تجتمع التفاصيل فى النهاية ويراقب الزوج البارد وهو يُدخل السيارة بمنتهى الهدوء مدخناً السيجارة، محاولاً تفادى فضلات الكلاب وعدم خدش المرآة ووضع السيارة الضخمة فى المنتصف بالضبط... إلى آخر تلك التفاصيل، ستجبرك تلك التفاصيل على مقارنة الوضع مع الزوجة المنفعلة التى تخبط العربية وتجرحها ولا تهتم بالفضلات، هو يزن المسائل عملياً وهى تنغمس فى اللحظة بكل حيويتها وانفعالها، هى داخل اللحظة، وهو يراقب اللحظة من الخارج.

الفيلم ملىء بتلك التفاصيل المدهشة التى تتسرب إلى الروح عبر الخادمة تلك الممثلة البارعة التى تمثل لأول مرة فى حياتها.

الفيلم ملحمة تمجيد لتاء التأنيث فى عالمنا الذى ما زال يقهرها حتى الآن.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع