الأقباط متحدون - صالونات ضيقة.. فضاءات مفتوحة
  • ١٦:٠٤
  • الخميس , ٧ مارس ٢٠١٩
English version

صالونات ضيقة.. فضاءات مفتوحة

مقالات مختارة | حكمت الحاج

٢١: ١٢ م +02:00 EET

الخميس ٧ مارس ٢٠١٩

حكمت الحاج
حكمت الحاج

حكمت الحاج
    بغض النظر عن اختلاف التسمية ما بين الصالون والنادي والمقهى والجمعية والمنتدى وصالة الاستقبال المنزلي، فإن الفضاء الثقافي هو فضاء أو مجتمع له ثقافته الخاصة يساهم بشكل واع في تكوين الاتصال ما بين أعضائه حيث يتم بناء سلسلة من المعاني المختلفة استنادا إلى المكان والفكرة. ولقد ساهمت التحديثات الحضارية الضاربة بقوة وسرعة في الأعوام العشرين الأخيرة من حياتنا في العالم العربي، والتفاعل مع تكنولوجيات الاتصال والقيم الثقافية الجديدة في الغرب، ساهمت بشكل واضح في زحزحة المكان شيئا فشيئا لينتقل المثقف العربي عموما من ضيق الصالون المنزلي المرتبط في الغالب ببنية طبقية محددة أو بأيديولوجيا معينة، إلى رحابة المكان وانفتاحه على الحضور العام في غالب الأحيان فيما يسمى الآن في عواصم عربية شتى بالفضاء الثقافي. ولا شك في إن ثقافة الديموقراطية وحقوق الانسان الكونية والوعي الفكري المتنامي في أوساط الشباب العربي الطالع من ركام المعاناة والمصاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية هنا وهناك قد ساهمت بشكل كبير في ترسيخ مبدأ الحق في الثقافة والحق في الكلام والتعبير فكان لابد والحالة هذه الانتقال مكانيا وطبقيا وأيديولوجيا من لقاءات النخبة في الصالونات إلى لقاءات المثقفين وجمهور الثقافة والمعرفة القادمين من منابع طبقية وجذور اجتماعية متباينة.

    لا أحد ينكر إن صالونات الثقافة بمفهومها التاريخي القديم قد لعبت دورا كبيرا في إغناء المشهد الثقافي العربي وضخه بأسماء جديدة وتيارات جديدة في الكتابة والفن والصحافة وحتى في السياسة، ولكن تلك التجمعات على غناها وأهميتها في مرحلتها قد فقدت الآن أحقيتها المعرفية وأية محاولة لاستنساخها من جديد ونفخ الروح في مثيلاتها إنما هي محاولات محفوفة بالفشل وذلك لسبب بسيط وهو ان مفهوم الثقافة والتثاقف نفسه قد تغير تغيرا جذريا مما ينعكس بتأثيره على طبيعة اللقاء الاجتماعي الثقافي المحدد بالمكان والزمان والفاعلين فيه والمستهدفين منه.

    على إنني من جهة أخرى وعلى المستوى الشخصي وإن كنت لا أرى غضاضة في النشاط والتنشيط والفاعلية داخل الفضاءات الثقافية ولكنني أرى كذلك نوعا من هدر الوقت والتدرب على المجاملات والتشابه في القراءات ومن ثم في الإنتاجات الإبداعية بسبب ما يمكن تسميته بثقافة القرب والتقارب وسيكون المتضرر منها ليس المتعطش للثقافة والمعرفة وطلاب الأدب والفن عموما بل المبدع المبتكر في مراحله التكوينية الأولى حيث الحاجة اكبر للقراءة المتفردة والانكباب على التأليف وشحذ الصوت الفردي خاصة في مجالات الشعر وفنون السرد بعامة ونفس المعطى يمكن ان يمس المشتغلين بالنقد والمتابعة من الأجيال الجديدة حيث نلاحظ بين فضاء وآخر كيف ان كتابا دون المستوى المطلوب في حقله وقد تم الحكم النقدي عليه منذ مدة فإذا به يحوز من إعلاء الشأن وفرط الاهتمام والإقبال حتى على اقتنائه بشكل يقارب الهوس لمجرد ان مجموعة ما في فضاء ثقافي ما قد ألقت الضوء عليه دون أي اعتبار للسياقات التاريخية والنقدية التقنية والمقارنة وهكذا نسبح جميعا في بحر من تسطيح المفاهيم حيث أحيانا تصبح عبرات المنفلوطي بقيمة أغاني مهيار الدمشقي لأدونيس أو أن يضيع بدر شاكر السياب في الخضم ليتحول من رائد الشعر الحر الأول في الثقافة العربية العالمة إلى مجرد شاعر يكتب قصائد لحبيباته البعيدات في الثقافة العربية المستهلكة.
نقلا عن الحوار المتمدن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع