الأقباط متحدون - الإعجاز فى أمة العجز
  • ٠٥:٤٧
  • الثلاثاء , ١٢ فبراير ٢٠١٩
English version

الإعجاز فى أمة العجز

مقالات مختارة | خالد منتصر

٢٢: ٠٧ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٢ فبراير ٢٠١٩

خالد منتصر
خالد منتصر

انتشر أخيراً فيديو لأستاذ جليل وكبير فى كلية الطب يقف فى جامع ويتحدث عن الإعجاز العلمى فى مسائل طبية مكانها ليس المسجد على الإطلاق، ولكنها نشوة الإعجاز فى أمة عاجزة، وذكر نفس المعلومة من قبل فى عدة برامج. ما زلت حتى هذه اللحظة لا أفهم لماذا دخل أستاذنا الكبير تلك اللعبة الرديئة التى من العيب أن يقع فى فخها أستاذ مثله كنا نحبه ونعشق محاضراته، لماذا قبل أن يجره الإعلاميون إلى هذا الملعب الذى يستخدمون فيه هذا المنهج كأداة جذب إعلانات وتغييب عقل وترويج خرافة؟! حزين أنا، بل فى غاية الحزن والأسى، على العالم الكبير حين يخلع بالطو أستاذ الطب ليرتدى عمامة زغلول النجار استجداء لتصفيق الشارع المتدروش. الفيديو يتحدث عن إعجاز «فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ» التى لخصت ٢٠٠٠ صفحة من كتاب علمى يتحدث عن الماء!! وهدد بأن من لا يؤمن بتحليله الإعجازى فهو حتماً جاحد.. والرد باختصار:

لو ذكرت الآية بالكامل لفهم المستمع، وبمنتهى البساطة، أن المعنى المقصود لا يمت بصلة لما ذكرته حضرتك من عدم تخزين الماء بالجسم، الآية هى: «وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ»، أى إن المسألة لا علاقة لها بتخفيف الصوديوم فى الجسم من جرّاء تخزين الماء الذى لا بد أن يخرج عن طريق الكلى والعرق... إلى آخر القصة الطويلة التى علاقتها بالآية مثل علاقتى باللغة الصينية!! وهذا ما قاله الطبرى يا أستاذنا الجليل. وقوله: «فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه»، يقول تعالى ذكره: فأنزلنا من السماء مطراً فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم. ولو كان معناه: أنزلناه لتشربوه، لقيل: فسقيناكموه. وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبناً أو غيره: سقيته بغير ألف إذا كان لسقيه، وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته، قالوا: أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته، وكذلك إذا استسقت له، قالوا أسقيته واستسقيته، كما قال ذو الرمة:

وقفت على رسم لمية ناقتى... فما زلت أبكى عنده وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثه... تكلمنى أحجاره وملاعبه

وكذلك إذا وهبت لرجل إهاباً ليجعله سقاء، قلت: أسقيته إياه.

وقوله: «وما أنتم له بخازنين»، يقول: ولستم بخازنى الماء الذى أنزلنا من السماء فأسقيناكموه. فتمنعوه من أسقيه، لأن ذلك بيدى وإلىّ، أسقيه من أشاء وأمنعه من أشاء، كما حدثنا أحمد، قال: ثنا أبوأحمد، قال سفيان: «وما أنتم له بخازنين» قال: بمانعين.

إذن هناك وجهان من التفسير لا علاقة لهما بالإعجاز العلمى المزعوم الذى اكتشفه أستاذ الطب من شيخ الجامع الذى يقول إنه تفوّق على مجلد هارفارد!! وكلا التفسيرين يشهد له قرآن.. الأول: أن معنى وما أنتم له بخازنين، أى ليست خزائنه عندكم بل نحن الخازنون له، ننزله متى شئنا، وهذا الوجه تدل عليه آيات كقوله «وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم»، وقوله: «ولله خزائن السماوات والأرض»، ونحو ذلك من الآيات، الوجه الثانى: أن معنى وما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم، أى لا تقدرون على حفظه فى الآبار والعيون والغدران، بل نحن الحافظون له فيها، ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى «وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه فى الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون»، وقوله: «قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين»، وقوله: «أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً»، وقوله: «ألم ترَ أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض»، إلى غير ذلك من الآيات.

وفى النهاية، أتمنى من الأستاذ الكبير أن يعلمنا أن الألفَى صفحة المكتوبة عن فسيولوجيا إخراج المياه من الجسم هى المنهج العلمى «اللى بجد»، والذى سيخرجنا من ظلام الجهل والتخلف، هم فى الغرب لا يفتون بل يعملون، وهذا هو السر.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع