الأقباط متحدون - اللاَهُوتُ (الافْتِرَاضِيُّ) على شبكة الinternet
  • ٠٥:٠٣
  • الاثنين , ١٢ نوفمبر ٢٠١٨
English version

اللاَهُوتُ (الافْتِرَاضِيُّ) على شبكة الinternet

القمص. أثناسيوس فهمي جورج

تأملات كنسية

٠٥: ١٠ ص +02:00 EET

الاثنين ١٢ نوفمبر ٢٠١٨

اللاَهُوتُ (الافْتِرَاضِيُّ) على شبكة الinternet
اللاَهُوتُ (الافْتِرَاضِيُّ) على شبكة الinternet
بقلم القمص أثناسيوس فهمي جورج
العالمُ الآن إمبراطورية إنترنتية عالمية واحدة؛ جعلته قرية صغيرة تخطَّت الحواجز بفعل العولمة والحداثة وثورة المعلومات؛ التي سهّلت انتشار كل شيء شبكياً دون أي محددات جغرافية اولغوية أو فكرية... ويهمنا في الأمر، تحديد دورنا الكنسي تجاه هذه التغيرات سريعة الإيقاع؛ حتى لا تصير تحديًا سلبيًا؛ بل تكون أداة لبشارة النفوس الخلاصية.. لأجل ذلك دشَّنت بعض الجامعات اللاهوتية مادة لاهوت عنوانها Cyber Theology أو اللاهوت الافتراضي (السيبراني)، ليُمَسْحِن النيتورك Network بلغة الإنجيل الجديدة (الأنجلة). ينابيع الخلاص وبشارته المفرحة الجامعة لكل الأمم في كل المسكونة كي تجثو باسم يسوع كل ركبة.. ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الله الاب .
 
إن التطور الحضاري بدون الرؤية الإنجيلية والأخلاق السلوكية المؤسسة على الوصايا الإلهية؛ يصير قوة علمية عمياء؛ تهتم بالمستقبل البشري مادياً واستهلاكياً ونفعياً، من دون وعي روحي إنساني وتربوي... لذلك ينطلق لاهوت الكنيسة ليحاكي هذه الإشكاليات التي تمس احتياج الخليقة ”هنا“ و ”الآن“ ، فلا يتوقف اختصاص الفكر اللاهوتي فقط عند تفسير نصوص
 
ولا عند وضع وتقنين صيغ عقيدية؛ ولا حتى على المحافظة عليها ومتابعة سلامه العقيدة؛ لكن مهمة اللاهوت في ذهنية الآباء تنصبّ على حياة الإنسان وخلاصه؛ في أن يتأنْسَن الإنسان ويتقدس في المسيح يسوع (الثيؤسيس) θέωση، ليكون مسيحًا آخر!! وحينئذٍ يأتي ملكوت الله منذ الآن على الأرض؛ وتكون مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض، ويكتمل مسار تاريخ الخلاص... مثلما نقول في القداس الكيرلسي (أنت الذي وضعنا حياتنا عندك يارب .. أيها الرب الذي يملأ الكل .. احفظنا في كل موضع نحضر فيه.. بطِيب قلب وعمر مستقيم .. تحفظه لنا بلا سارق ولاندم، ناظرين إليك في كل زمان ومكان، سالمين فيما هو لك وفيما ترضاه).
 
اللاهوت لا يتوقف عند الأمس، لذا هويتنا ليست رجعية أو سلفية؛ لكنها تغيير للأشكال بتجديد الأذهان، امتداداً إلى ما هو قدام، حيث أن كل خدمة ورعاية؛ لا هدف لها إلا خلاص النفس المقتناة ومعرفة الخبرة والتذوق والشركة مع مسيحنا الذي هو أمس واليوم وإلى الأبد.
 
لا يوجد عندنا في اللاهوت أية إشكالية مع العلم ولا مع التطور؛ لأنها حركة طبيعية حتمية؛ يظهر فيها مجد الله وقدرته المطلَقة؛ التي لا تُشَيِّئ الإنسان الذي هو خليقة الله؛ كونٌ مصغر؛ لا وجود كياني له بدون الشركة معه من دون أي اكتفائية أو استقلالية... فإذا أخذنا شحنات التطور هذه من غير روح؛ سننتهي جسدانيين مولعين بالمادة والاستهلاك والآلة، ونتحول إلى مجرد رقم أو كود أو شيء؛ ضمن هذه المنظومة الصنمية!! فهل من أنبياء ورسل وخدام ومبشرين في هذا الجيل، ينهضوا من أجل خلاص الله في الشعوب، أبواقًا للكلمة الإلهية في عالم الآلة؟! جاعلين الإنسان سيد الحضارة وغايتها، لا عبدًا لها؛ دون تهميشه أسيرًا أمام الغايات والمصالح.
 
إن الحاجة الحقيقية إلى ماء وخبز ونور وحق وطريق الحياة، الحاجة إلى الشبع والرضا والسلام والسرور والخلاص الذي صار لنا، وهذه هي مسئولية الكنيسة المضاعفة اليوم، وهي سبّاقة فيها؛ كي تكون بفعل الروح القدس الرب المحيي قد عنصرت العصرنة؛ لأن المُثُل المسيحية هي المثال الأحوج في عالم جبار بلا دماغ ولا روح.. دُعيت فيه الكنيسة لتكون ملكوتًا وشبكة مطروحة وخميرة تخمر العجين كله،
 
وميناءاً للذين في العاصف؛ تقدم لاهوتًا حيًا ومعاشًا؛ لا بمقاربة ذهنية نظرية أو جدلية؛ لكن بفهم كلمة الله الضرورية لحياة كل نفس؛ وبإغناء الحياة الكنسية الروحية للعالم؛ وبرفع المستوى العلمي الأكاديمي في البحوث اللاهوتية ،وتقديم مبادرة المسيح الخصوصية؛ وقَرَعاته على أبواب القلوب البعيدة والغليظة؛ والتي لا تستحسن أن تُبقي الله في معرفتها، عَلَّهم يميزوا صوته ”في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه“ (يو ١ : ٢٦)؛ لأنه صنع التدبير من أجلهم وهم لم يعرفوه ولا قبلوه؛ بينما هو يقرع أبوابهم ورأسه امتلأ من الطَّلّ؛ وقصصه من ندَى الليل، وهو يُسمعهم صوت كنيسته التي تقدم اللبن والطعام القوي، وتلقي بذار الروح بكل حكمة بين الكاملين؛ معلنة نعمة عمله عبر كل وسيلة تتواصل بها مع النفس البشرية؛ في كل كلمة وكل معرفة تختص بفلاحة الله وكرمه ، وهو وحده القادر أن يُنمي.
 
لذا يأتي ”العمل الرعوي“ على رأس الاهتمامات في افتقاد خدمة النفس البشرية وخدمة حاجتها للخلاص مع كل سامرية وابن ضال وعشار ونازفة الدم ولص يمين في هذا الجيل، لاهوتاً رعائياً يعطي جواباً على الحاجات البشريةوالتساؤلات الحياتية. حيث أن مسار التدبير مشدود على الدوام إلى المستقبل، فيكون فخرنا هو بشهادة ضميرنا، لنعمة الله التي بها نتصرف ونسلك قدر الطاقة .
 
إن الضرورة موضوعة علينا لنقدم إلهنا محب البشر الصالح المسكوني؛ الذي هو رجاء الأمم ومشتهاها، نقدمه في الأريوباغوس الافتراضي؛ صارخين للناس، هذا هو إلهنا الذي تبحثون عنه؛ إله إبراهيم وإسحق ويعقوب والفتية الثلاثة ودانيال، إله الأنبياء والآباء.. كونه إلههم الشخصي؛ فليس عنده عبد ولا حر ولا يوناني ولا يهودي... وهو يناديهم بصوته الخلاصي الكوني؛ مناديًا على كل القوميات والثقافات. 
 
وإجمالاً فكل علم وتطور بدون اللاهوت ؛ يصير ناقصًا وعقيمًا؛ لأن قوة اللاهوت تكمن في ديناميكيته وجرأته؛ كي يُكَنْسِن العالم ويقدس الزمان، من دون انطوائية؛ إنما بسيف الروح وبكلمة الله التي لا تقيَّد؛ والتي تحكم في كل شيء؛ ولا يُحكم فيها من أحد... لاهوتاً حياً يتكلم بلغة إنجيلية واحدة وعلم إلهي واحد، بدونه نرتضي أن نتأَرْخَن أو نتمَتْحَف؛ ونحن بعد أحياء، أي نقبل أن نصير قطعة من التاريخ موضوعة في متحف؛ بينما كل انفتاح عملي يعزز مناعتنا الروحية والكرازية؛ ويجعلنا نقوم بتعليم المستقبل إيماننا الأقدس؛ ممجدين وشاهدين لمسيحنا القدوس.