الأقباط متحدون - مفارقات أصولية (92)
  • ٢٠:٥٤
  • الجمعة , ٨ فبراير ٢٠١٩
English version

مفارقات أصولية (92)

مقالات مختارة | مراد وهبة

٤٩: ٠٣ م +02:00 EET

الجمعة ٨ فبراير ٢٠١٩

مراد وهبة
مراد وهبة

قولوا ما شاء لكم القول فى شأن الأصوليات الدينية من أنها متطرفة أو أنها بلا دين أما أنا فأقول لكم- وهو قول أقرب إلى الصحة والصدق- إن هذه الأصوليات ليست كذلك، إذ هى ليست متطرفة وإن لها ديناً، فهى تلتزم حرفية النص الدينى مهما يحدث من تطور حضارى، وهى فى هذا الالتزام تتوهم أنها تمتلك الحقيقة المطلقة وبالتالى فإنها تدخل فى صراع مع أى حقيقة مطلقة مغايرة لها بدعوى أن الحقيقة المطلقة واحدة ولا تقبل التعدد، وصراعها محصور فى التكفير كحد أدنى والقتل كحد أقصى والإرهاب هو محصلة الحدين. والمثال الصارخ على هذا المعنى للإرهاب قتل السادات رئيس مصر الأسبق وقتل رابين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق. وفى هذا السياق يمكن القول إن الأصوليات على تنوعها متماثلة. وأمثل لهذا القول بأصوليتين متماثلتين ومتناقضتين فى آن واحد وهما الأصولية اليهودية والأصولية الإسلامية.

والسؤال إذن:

ما هو المشترك بين هاتين الأصوليتين؟..

إن كلا منهما لا يقول عن نفسه إنه أصولى إنما يقول إنه يهودى أو إسلامى. وفى هذا السياق يقال اليهود الحريديم وجوش أمونيم التى تعنى جماعة المؤمنين، كما يقال عن المسلمين المقيمين فى الغرب إنهم إسلاميون. والمغزى هنا أن لقب أصولى ليس من وضع هؤلاء أو أولئك إنما هو من وضع الخوارج. والخوارج، فى هذه الحالة، يقال عنهم من قِبل الأصوليين إنهم ليسوا يهوداً وليسوا مسلمين. وإذا كان ولابد من لقب فالأصولى يؤثر أن يلقب بأنه «تراثى» لأن الماضى، فى رأيه، هو المعلم الأعظم وهو المرشد للحائرين، وهو وحده القادر على تمثل الجديد فى سياق حرفية النص الدينى مع الامتناع عن تأويله. أما إذا طُلب منه تفسير نص دينى فإنه يؤثر أن يستند فى تفسيره إلى نص دينى آخر. ومن هنا يقال تفسير التوراة بالتوراة وتفسير القرآن بالقرآن. ومن هنا ثانياً يمتنع وجود وسيط بين الله والإنسان. ومن هنا ثالثاً يقال إنه لا كهنوت فى اليهودية ولا فى الإسلام.

ولكن ليس كل ما هو تراثى يقال عنه إنه كذلك، ذلك أن التراث المشروع هو التراث القائم فى «عصر ذهبى» أما القائم فى غير ذلك العصر فيقال إنه «عصر جاهلى» وهو قائم فى الجهل بالشريعة مع الالتزام بالعلمانية عند اليهود، وفى الجهل بالله ورسوله ومع عدم الالتزام بالشريعة عند المسلمين. هذا بالإضافة إلى أن العصر الذهبى هو العصر الذى يتفق مع كل الأزمنة. ومن هنا يقال إنه «معاصر»، وبالتالى فإنه لا يصح للتراثى أن يبحث عن «الوسط» أو التكيف أو بالأدق التنازل. ومع ذلك فإنه يصح للتراثى أن يتحول إلى أصولى إذا وُجد فى بيئة مغايرة، إذ من شأن هذه البيئة أن تدفعه إلى الالتزام بطقوس قديمة وعادات قديمة. أما الذين يقال عنهم إنه المحدثون سواء كانوا يهوداً أو مسلمين فهم أولئك الذين فقدوا القدرة على الإصلاح، وهم من هذه الزاوية أسوأ من العلمانيين لأنهم يعتقدون أنهم متدينون ومع ذلك يفعلون ما يريدون، أما العلمانيون فهم يعلمون أنهم كذلك.
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع