الأقباط متحدون - تجديد الإسلام بتدريس علوم الأديان
  • ١٦:١٦
  • الاثنين , ٤ فبراير ٢٠١٩
English version

تجديد الإسلام بتدريس علوم الأديان

مقالات مختارة | جمال أبو الحسن

٣٦: ٠٧ ص +02:00 EET

الاثنين ٤ فبراير ٢٠١٩

جمال أبو الحسن
جمال أبو الحسن

قد يكون التجديد كلمة أدق عند الحديث عن الإصلاح الدينى. التجديد مفهوم ينسجم تماماً مع حديث الرسول الكريم (ص): «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يُجدد لها دينها». والتجديد ينطوى أيضاً على معنى الإصلاح، لأنه لو لم يكن هناك عطبٌ ما - فى فهم الدين أو ممارسته - ما احتاج الأمر إلى التجديد. كما يشير التجديد - وهو الأهم - إلى مفهوم مسايرة الزمن، وهو اعتراف ضمنى بأن الدين ليس معطىً جامداً خارج الزمان والمكان. وأن النص الدينى المقدس لا ينطق بذاته، وإنما ينطق به بشر، لهم مصالحهم وانتماءاتهم الاجتماعية وأهدافهم السياسية. ما يرمى إليه من يرفعون راية الإصلاح الدينى، إذاً هو تجديد شاملٌ فى فهمنا للإسلام وممارستنا له فى الواقع المعيش بما يواكب العصر ومتغيراته.

وقد لاحظ كاتب السطور فى جولةٍ بين أروقة معرض الكتاب هذا العام أن مسألة تجديد الدين بكل فروعها وروافدها تستأثر بحيزٍ غير يسير من الإنتاج العلمى باللغة العربية. وتنسحب هذه الملاحظة بالتحديد على دور النشر العربية لا المصرية. ذلك أن الإنتاج المصرى فى هذا الفرع بالتحديد كان سباقاً ورائداً لفترة طويلة ممتدة من زمن محمد عبده ثم طه حسين حتى فؤاد زكريا ونصر حامد أبوزيد، قبل أن يُسلم المصريون الراية - كما يبدو - لمدرسة أخرى مكتملة الأركان، متينة البنيان، فى المغرب العربى. قد يكون هذا حكماً سطحياً وانطباعياً، ككل الأحكام الانطباعية. وقد يكون أيضاً حكماً جائراً ويظلم عشراتٍ من المفكرين المصريين الذين يتناولون شأن الإصلاح الدينى ويُتابعهم كاتب السطور بشغف. من هؤلاء مفكرون شباب سلكوا سبيل الحديث عبر يوتيوب والوسائط الاجتماعية الجديدة، مفضلين مخاطبة شرائح الشباب فى موضوعات تتعلق كلها بفهم الدين وتفسيره. ولدى بعض منهم موهبة وحضور وتمَكُّن لافت من أصول المسائل الدينية (وربما يحتاج الحديث عن هذه المجموعة من الشباب المصرى النابه إلى مقال بذاته).

عودة إلى المغرب العربى، حيث هذه النهضة الفلسفية المثيرة للعجب والإعجاب. وقد نصحنى صديقٌ منذ زمن بمتابعة إنتاج مؤسسة بعينها، هى «مؤمنون بلا حدود» مقرها فى المغرب، وتعنى بالشأن الدينى فى كل أوجهه، من دراسة تاريخ الأديان، إلى الفقه والنصوص، إلى الظاهرة الدينية المعاصرة والإسلام السياسى. وبنظرة على إنتاج هذه المؤسسة فى المعرض، يتبين للمرء أن من يقومون عليها قوم جادون حقاً فى سبر أغوار مسألة الإصلاح الدينى، وعرضها على الباحث والقارئ العام بشجاعة وجرأة تقتحم أخطر القضايا والمسائل. من أسفٍ أننى بعدما ظفرتُ من هذا الجناح بكتابين لعبد الجواد ياسين وعلى مبروك- (رحمه الله)- ضاعا منى فى زحمة المعرض، ولله الأمر من قبلُ ومن بعد!.

على أننى لم أرض من الغنيمة بالإياب. عثرتُ على أحد كتب العفيف الأخضر - وهو مثقف تونسى فحل - بعنوان «إصلاح الإسلام بتدريسه وتدريس علوم الأديان»، فالتهمتُه من فورى، ووجدته ثورة تتخفى فى ثوب كتاب!.

جوهر الكتاب أن الإصلاح الدينى هو أم القضايا التى تواجه العالم العربى. وأن سؤال «لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟» الذى صدح به شكيب أرسلان منذ قرن من الزمان، هو السؤال - بألف ولام التعريف - رؤية العفيف الأخضر أن المدخل الأساسى للإصلاح الدينى يكون بتدريس الإسلام فى إطار علوم الأديان.

الهدف هو الانتقال من مدرسة اللامعقول الدينى إلى مدرسة المعقول الدينى. يعنى: «الانتقال من القراءة الحرفية للقرآن، خاصة المدنى، السائدة إلى اليوم تقريباً فى كل مكان من أرض الإسلام، إلى القراءات الأخرى المنافسة لها والتى همشتها أو كفرتها، كالقراءة التأويلية والمقاصدية والتاريخية، التى مارسها القرآن نفسه بالناسخ والمنسوخ».

الفكرة التى ينادى بها «الأخضر» هى تدريس الإسلام فى إطار علوم الأديان الحديثة. هذه لا تكتفى بدراسة النص، وما كتب حوله من شروحات ومتون وهوامش. وإنما تدرس أيضاً الدين - أى دين - فى إطار تاريخ الأديان المقارن، وعلم نفس الأديان، وعلم اجتماع الأديان... إلخ.

جوهر هذه الرؤية كالتالى: الدين هو مسألة روحية إيمانية من ناحية، وهو - من ناحية أخرى - محلٌ للبحث الموضوعى العلمى. الخلط بين الأمرين خطيرٌ لأنه يمنع الباحثين من تناول النصوص الدينية سوى من الزاوية الإيمانية البحتة، بقطع النظر عن الظروف الاجتماعية التى نزل فيها النص أو الفترات التاريخية التى صاحبت تطور فهم الناس له.

وتبقى كلمة: الإصلاح الدينى ليس مجرد شعار يُطلق، هو طريق وعرٌ وموحش. قليلٌ هم من يسلكونه بالجدية الواجبة والشجاعة اللازمة.
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع