الأقباط متحدون - معهد القلب.. والإنسان الطبيب
  • ١١:١٦
  • الجمعة , ١ فبراير ٢٠١٩
English version

معهد القلب.. والإنسان الطبيب

مقالات مختارة | عادل نعمان

٤٦: ٠٢ م +02:00 EET

الجمعة ١ فبراير ٢٠١٩

عادل نعمان
عادل نعمان

حدّثينى عن معهد القلب، كيف كان، وكيف أصبح؟ تعجبت حين حادثتنى على باب معمل التحاليل، عن دمعة تروح وتجىء على مشارف عينيها، تعلن عن صدق ما تقول وتحكى، تهرب الابتسامة من بين ثنايا شفتيها، فلا هى تبكى، ولا هى تستكمل ابتسامتها، هى لحظة صدق وحديث أمين، أعرفها وألمسها وأعشقها، ولا أحتاج فيها إلى يمين أو قسم، قالت الممرضة: لم نكن شيئاً مذكوراً، لكنه أوجدنا وأعادنا من العدم، وأصبحنا معهد القلوب الموجوعة بجد، يستقبل هذه الألوف يومياً، ويُجرى كل هذه العمليات، وتركيب الدعامات بالمئات دون كلل أو ملل، بل بحب. هل يصل الحب بالإنسان إلى درجة أن يعشق العمل ومشاقه تحت إدارة مَن يحب؟ نعم، هكذا قالت لى: «كنت باكره آجى الشغل، أما الآن بحب الشغل، ومرتاحة، ولو بالقليل، وأشتغل طوال النهار والليل علشانه»، وقالت «نور»: تعرف، أحسن حاجة أعادها إلينا، أننا أصبحنا نحب المريض والعليل، حين يحب الطبيب المريض «نصف الطريق إلى الشفاء يُتجاوز ويُعبر». وجوه العاملين حين تتحدث عنه تنفرج أساريرها، وكأنها تحدثك عن موعد مع الحبيب، فيعتدل صاحبنا فى وقفته ليحدثك عن عزيز كبير المقام، ويبتسم ليقابله بفخر، حتى المرضى من أبسطهم حتى أعلاهم وقوفٌ ببابه، يعرفون ويثقون بأن قلمه المتحفز دون غطاء، يمضى بين يديه كالسيف يفصل فى الأمر، هذا بالمجان فوراً، وهذا إلى غرفة العمليات الآن، وهذه لا تنتظروا لها قرار علاج، ابدأوا معها حالاً، طبيب يصل إلى المستشفى قبل المريض، اعلم أن المستشفى فى حالة تأهب واستعداد قصوى، يستقبل الكبير والصغير والضعيف والقوى، أنيق مثقف واعٍ، حتى فى كلماته لا تخلو من أبيات الشعر، الأطباء الشعراء يغزون ويفتحون القلوب قبل علاجها، إنه الطبيب الإنسان «جمال شعبان»، كلهم على يقين أنه سيجبر خاطر الجميع، وسيبدأون رحلة العلاج داخل الصرح الكبير، الفقير قبل الغنى.

معهد القلب القومى بإمبابة، نموذج مشرف، يدعونى إلى الأمل فى نجاح المنظومة الطبية فى مصر، إذا أخلص الناس فى عملهم، وأدوا واجبهم ومسئولياتهم كما يجب أن تكون، وأحسن المسئولون الاختيار، وأصبحت الريادة للأكفأ والأفضل، فقد اختصرنا نصف الطريق، ووفرنا الذهاب والعودة بعد كل مسئول، ونفقد الطريق كله إذا أسأنا الاختيار دون ذهاب أو عودة، والمعهد يظلله ويرفرف عليه طابع إنسانى تشعر به من أول وهلة حين تطأ قدماك المكان، وهو لا يرفض أحداً مهما كانت حالته، ويتعامل مع جميع المرضى على مسافة واحدة، الأعداد الهائلة المترددة على المعهد تشهد بحسن المعاملة والاستجابة والتجاوب مع المريض، إلا أن قلوب المصريين التى أعياها الزمن وقست عليها الأيام تحتاج إلى دعم القادرين، والوقوف مع المعهد فى هذه الرسالة النبيلة أمر يشبه الواجب القومى والأمن القومى ليس أقل، ولو أتيح لهذا الصرح العظيم وللكفاءات العلمية والتمريضية فيه القليل مما يتاح للمستشفيات الأخرى التى تجمع التبرعات من هنا وهناك وتعلن عن نفسها، وتسوّق احتياجاتها، لأصبح فى ظل إدارته الحالية من أحسن مراكز القلب فى العالم، فعلى رأسه إدارة علمية رائدة وكفاءات طبية وتمريضية وإدارية على مستوى عالٍ، فلماذا لا نستفيد من هذا المعهد، حتى يصبح مزاراً علمياً نشطاً ومحفلاً نموذجياً ومركزاً لعلاج القلوب المتعبة من الدول العربية؟!

النماذج المشرفة الواثقة الشريفة فى بلادى تستحق أن نكتب عنها، ونرفع قدرها ومقامها، ونشيد بها أمام الجميع، والمراكز والمعاهد والمستشفيات الطبية الناجحة، والتى تحفر فى الصخر، وتتحدى المرض بالمجان، أو بمبالغ بسيطة وتحقق وتعالج قلوب المصريين وصحتهم فى صبر والتزام تستحق أن نشيد بهما، ويعلم بجهدها المسئولون والناس، فيزيد المسئولون من دعمهم وتجاوبهم، ونفتح عند الناس باباً لتبرعاتهم وزكاتهم، فذلك طريق إلى الله أولى وأسرع، وأن نخفف عن الناس آلامهم وأوجاعهم، وما أشدها وما أقساها، فذلك عند الله أبقى وأفضل، فقد مللنا الحديث السيئ عن سلبيات المجتمع، والنماذج المحبطة من المرتشين والفاسدين، فإذا ظهر نموذج مشرف وجب أن نرفعه إلى عنان السماء، ونحمله فوق الأعناق، حتى يعرف الناس أن لديهم نماذج صالحة وناجحة فى كثير من المواقع تعمل فى صمت، وفى شرف ونزاهة، ولا تعلن عن نفسها، وهذا النموذج يستحق وبجدارة أن يعمَّم فى كل المنظومات الصحية فى بلادى، ومعادلتها سهلة وبسيطة ومعقدة فى الوقت نفسه، وهى أن يحبّك المريض والطاقم الطبى فى آن واحد، ساعتها اعلم أن الاختيار ناجح وصائب، وهى أول درجة.

قلوب المصريين فى حاجة إلى أن نخفف عنها ما ثقل من أحمالها، وما أنهكها طول طريقها، وما أجهدها من عبء أيامها، فما أضناها من رحلة وما أشقاها من راحلة، وما أتعبه من بحث عن الملجأ والملاذ، فإذا جاءنا على يد كريمة عفيفة شريفة رسمية هدفها خدمة المريض أولاً، وجب الالتفاف حولها ودعمها وتوسعتها، حتى تستوعب كل هذه القلوب الموجوعة، والتى تاهت، وما زالت فى رحلة البحث فى المستشفيات الخاصة، فما زادتها إلا عبوساً وضياعاً، وأصبحت تكاليفها وأعباؤها فوق طاقة الجميع، حتى الأغنياء منهم، نحن يا سادة فى حاجة إلى دعم هذا المعهد وفروعه التى فى خطته افتتاحها، ومنها فرع العريش ومطار إمبابة، فهو معهد أمين على قلوب المصريين، شريف فى التعامل معها، ونحن فى حاجة إلى هذا الطبيب الإنسان، د. جمال شعبان.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع