الأقباط متحدون - الموت هرباً من معتقل الإمام
  • ٠٦:٠٢
  • الاربعاء , ١٦ يناير ٢٠١٩
English version

الموت هرباً من معتقل الإمام

مقالات مختارة | سحر الجعارة

٣٧: ٠٦ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٦ يناير ٢٠١٩

سحر الجعارة
سحر الجعارة

أستأذن - سيدى - فى الاعتراف.

سأتحدث بصوت المرأة وهو «عورة»!

لكننى استعدت قاموسى الغارق فى قاع النيل.. ولملمت أوراقه المبللة بدموع كل صبيّة قدّموها قرباناً لآلهتهم.. وجئت إليك «هاربة»!

كان موعدى مع «الموت» فى بحيرتهم «المقدسة»، فألقيت قطعة من أنوثتى لكهنة المعبد، وغافلت حراس «توابيت التراث».. خبأت لغتك بين ضلوعى، وجئت لأعترف: قصائدك «المتوحشة» لعنة ما زالت تسكننا، تحرضنا على «العشق» فى وطن يشنق العشاق على «الحدود».. العشق ذنب لا يقبل شفاعة «شاعر»!

مولاى.. أنا مواطنة -مثلك- من بلاد «قمعستان».. أتألم، فما قيمة الحياة دون ألم؟ ما زالت -يا شاعرى- ملامح «قمعستان» كما هى، لم تشهد ثورة للعبيد، لم يسقط الطغاة عن عروشهم. فقط تبدلت ملامحهم: ارتدوا جبة وقفطاناً ووشموا الزبيبة على الجباه، فلم تعلن الشعوب «العصيان».. فضّلت أن تنكح البهائم والأطفال، وأن تحلم بحور الحين، وتشق بطون الحبالى بحثاً عن ثقب إبرة لجنين يبثون فيه شهوتهم المحرمة.. ما زالت كما تركتها: جميعهم تضخمت أثداؤهم وأصبحوا نسواناً.. جميعهم يأتيهم الحيض ومشغولون بالحمل وبالرضاعة.. فلماذا عدت -يا فارس الحب- الآن؟

الشعر لم يعد يشعل ثورة.. و«النساء» (اللاتى تحررن من أسر القبيلة) ذبحن أنوثتهن خشية اغتصاب «داعش» لهن.. الوطن تحول إلى «سوبر ماركت»، أرخص ما فيه «تجارة الدين»!

الآن جئت من خلف غيوم الموت، تمنحنا نفحة حياة.. لندخل من جديد دائرة «التوتر».. نسير خلفك على حبال المستحيل.. نحلم بخريطة واضحة للوطن.. نُصلب على قصائدك.. ونسكن منفاك.. ونهرب من رجال الخليفة (ولحاهم المخيفة).. ونطارد حباً مستحيلاً!

الآن تعود إلينا «نزار قبانى».. لنفتح دفتراً جديداً يستقبل اللعنات.. وملفات «الزندقة».. وأبيات شعر لا تستر عرينا!.. للأسف، لن يتغير التاريخ بنا.

ألم تقل: «لا تسألينى.. مرة أخرى.. عن التاريخ.. فهو إشاعةٌ عربيةٌ.. وقصاصةٌ صحفيةٌ.. وروايةٌ عبثية»؟! لكننا نكتب التاريخ الآن بدمائنا. سقطت نبوءتك تحت أقدام الهمجية والعنصرية والطائفية.. أصبح لكل مسلم «مفتى»، ولكل مسيحى «صليب».. وكلنا مصلوبون على فتاوى القهر.. لا يجمعنا إلا ظل المشنوق على مدخل شارع «الأزهر» العتيق!

لا تفتش بيننا عن «بطولة ما».. فالكل يتعاطى «القات السياسى» بانتظام.. لم نعد بلاد «المقاومة».. نحن بلاد «ترامادول العمائم» المخبأ تحت المنابر.. نحن بلاد تذبح بسكين بارد شيعتها وصوفييها قبل مسيحييها.. تهدم كنائسها فوق رؤوس المصلين.. ثم نقف لنتلقى العزاء بكل بجاحة!

لا تراهن على الحب.. ممالك العشاق -التى شيدتها- مهجورة.. لا يسكنها إلا «الحزن»!. لم يعد فى بلادى عصافير ملونة أو أزهار ياسمين.. فـ«ملالى السنة» حوّلوا الوطن إلى سجن كبير.

لا تحدثنا مجدداً عن العقل أو الجنون، فنحن نتحدث عن قانون «ازدراء الأديان» عن «ترخيص بالصلاة للأقباط».. يااااه يا شاعرى الزنديق، كم تغيرت اللغة بعد رحيلك!.

مواسم الحب أصبحت باردة، لأننا نتدفأ على نار «الفتنة»، ونتسامر بأفلام الرعب التى تبثها «داعش»، ونتفنن فى صناعة الأوثان «البخارى ومسلم».

أنا أدمنت جنونك.. انتظرت أن تتحقق نبوءتك:

«إذا صادفت رجلاً يحترف الثورة والجنون.. ويقلب العالم من جذوره.. ويكسر القانون.. فخبئيه فى عينيك.. يا كبيرة العيون.. فلن تكونى امرأة كبيرة.. إلا إذا تعمّدت بماء الشعر.. والجنون».

انتظرت طويلاً.. حتى فر العمر دون حب، الرجال أعقل من أبياتك ومن جنونى!

لم يأتِ الرجل الخرافى من «حضارة ما قبل الأنوثة»، ليرسمنى وشماً على ذراعيه.. أو يعزفنى لحناً بين يديه.. الرجال فى «قمعستان» لم يتعلموا من شعرك إلا ثورة النهد.. والفتوحات النسائية.. وملاحم التقلب بين أجساد من «قشطة وعسل»!!

والمرأة فى بلادى تعيش فى «مسافة ما» بين «النجاسة» و«القداسة».. تنتظر موتاً مشرفاً ذبحاً «إذا ارتدت صليباً».. وسبياً «إذا كانت تتلو سورة مريم»!

يقولون عنك «شاعر المرأة» وأنك من أفسد رجال العرب!

ليس بينهم رجل واحد رأى صورة «الوطن» محفورة فى ملامح امرأة، ولا بينهم من رأى فى ألفاظك الحسية دعوة لحرية التفكير.. الرجل يفكر بنصفه الأسفل!

الرجال فى بلادى أقلعوا عن «الغضب»، انطفأت حتى جذوة شهوتهم، فأسواق النخاسة متاحة.. (النسوان والغلمان) لمن يدفع.. أما الأرض فلمن يُرهب ليحكم.

كل «الذنوب» مباحة.. حتى خيانة الأوطان، قل إنها نكبة «كامب ديفيد» أو إنه «سقوط بغداد».. أو «الخريف العربى» الذى عصف بنا بعدك.. التشخيص ليس مهماً، فكلهم خانعون.. راكعون لـ«فضيلته»!

ميراث «الحب والثورة والحرية» الذى تركته لم يُشبع نهم السلطة والثروة لـ«وكلاء الله على الأرض».. فباعونا مع الأوطان.. تماماً كما قلت، فنحن: «معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا.. معتقلون داخل الحزن.. وأحلى ما بنا أحزاننا»! وكأنك ترى المأتم الجماعى.. وجثث الشهداء المسجاة فوق صدورنا، فترسل لنا بيتاً عبقرياً يعزينا!

كم صادروك.. وحاصروك.. وسجلوا مغامراتك الصغيرة «حين تفك ضفيرة صبيّة.. أو تغرس القلم فى وريدك».. ربما لأنك لم تنضم يوماً للحاشية، ولم تنظم قصيدة مدح لطاغية.. فبلاط «الأئمة» لا يتسع إلا للمهرجين والمخنثين والسماسرة.

يا معلمى.. روحك الهائمة عطرت المكان برائحة الياسمين، ليعرف الجميع أن «الشاعر» يعيش رغم «الغياب».. بينما نحن فى مرحلة الاحتضار!.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع