الأقباط متحدون - الإنسان نعمة وليس نقمة
  • ٠٠:٢٨
  • الاربعاء , ١٦ يناير ٢٠١٩
English version

الإنسان نعمة وليس نقمة

مقالات مختارة | نوال السعداوي

٠٥: ٠٢ م +02:00 EET

الاربعاء ١٦ يناير ٢٠١٩

نوال السعداوي
نوال السعداوي

    كانت أمى امرأة متعلمة، لديها طموح أدبى وعلمي، لكن السلطة العائلية فرضت عليها البقاء بالبيت، فى السادسة عشرة من عمرها، والتفرغ للزواج والأمومة، أنجبت تسعة أبناء وبنات خلال عشرين عاما، ثم ماتت فى السادسة والثلاثين، من شدة الإحباط والحزن، لم تستمتع أمى بالزواج ولا الأمومة، بل عاشت داخل أربعة جدران، أسيرة المطبخ والسرير، وأسهمت، مع أبي، فى إفقار أسرتنا، رغم حصول أبى على شهادات عليا ومنصب محترم بوزارة المعارف، إلا أن مسئولية الإنفاق على الأسرة الكبيرة العدد أرهقته جسديا وروحيا، وكان يحرم نفسه من الضروريات ليشترى لنا ملابس الشتاء، كنت أتألم داخل الجاكت الصوفي، وأنا أراه بالبدلة الصيفية يرتجف بالبرد، فقدت الاستمتاع بالدفء فى الشتاء، كما فقدت أمى الاستمتاع بالأمومة والحب فى الزواج، وكان يمكن لأبى أن يعجز عن سداد مصاريفى بكلية الطب، لولا حصولى على مجانية التفوق،

وكم من شابات وشباب فى مصر، حرموا من العلم والفن والإبداع بسبب فقر الأسرة الناتج عن كثرة العيال، كنت أسأل أمى وأبى لماذا لم تتحكما فى نسلكما؟ تقول أمى فى أسي، كنت جاهلة يا نوال بوسائل منع الحمل، وكانت التقاليد السائدة ورجال الدين والسياسة يشجعون النساء على التفرغ للأمومة، وكان مشايخ الأزهر يقولون، منع الحمل حرام، لأن الحمل يحدث بإرادة الله، وكل طفل يولد معه رزقه، وكان مفهوم الرجولة يفرض على الزوج ألا يقبل أن تعمل زوجته خارج البيت أو تشاركه مسئولية الإنفاق، وكان مفهوم الأنوثة يفرض على المرأة الزواج والإنجاب، وإلا قالوا عنها إنها عانس أو عاقر، مثل الشجرة المجدبة لا تطرح ثمرا، بدأت المشكلة السكانية تهدد بلادنا، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، منذ منتصف القرن العشرين، فأنشأت الدولة جهازا كاملا لتنظيم الأسرة، وانتشرت حبوب منع الحمل، واللولب وغيرها من وسائل منع الحمل، وبدأت الدولة تحث رجال الدين على تجديد الخطاب الديني، وعدم إذاعة الآيات والأحاديث النبوية التى تحث على كثرة العيال، أوالاتكال على الله فى الحصول على الرزق، أو ارتباط الذكورة أو الفحولة بالإخصاب، وإنجاب العيال،

من أجل اكتساب القوة، أو المباهاة بين الأمم بالكثرة العددية، تغيرت المفاهيم بتقدم العلم والاكتشافات الجديدة،وأصبحت القوة العسكرية تنبع من الأسلحة المدمرة الحديثة، وليس من الكثرة العددية للجيوش، واختفت الأحاديث السياسية والدينية التى تحض على كثرة العيال، ترتبط السياسة بالدين فى كل مكان وزمان، وتتغير السياسة بخطى أسرع، يسبق أهل السياسة دائما فى تجديد الخطاب الدينى ليتمشى مع المصالح المادية والاقتصادية الجديدة للدولة، تتخلف العائلة دائما عن التغيير المطلوب، العائلة المصرية محكومة بقانون ديني، (حتى اليوم 16 يناير 2019)، تحررت جميع قوانين الدولة المصرية من السلطة الدينية إلا قانون العائلة، وفشلت جميع المحاولات المتكررة، منذ الخمسينيات، حتى اليوم، لحل المشكلة السكانية، وتجديد الخطاب الديني، وإنقاذ الأسرة المصرية من مآسى الطلاق (الشفهى وغير الشفهي) وتعدد الزوجات وجرائم الشرف والختان، واغتصاب البنات الأطفال، وزواج القاصرات وهيمنة رجال الدين على حياة النساء داخل العائلة، فى الستينيات من القرن العشرين بدأت ثورة النساء الفكرية (محليا وعالميا)، بدأت عقول النساء تتمرد على القمع السياسى الاقتصادى والدينى معا، هوجم الفكر النسائى الجديد بضراوة، دفعت الرائدات فى الغرب والشرق، المفكرات والكاتبات فى جميع البلاد، ثمنا باهظا من حياتهن العامة والخاصة،

نظير أفكارهن المتمردة المتقدمة، التى نقلت الحضارة الإنسانية الى مرحلة أرقي، وأصبحت الأجيال الجديدة من الشابات والشباب أكثر جرأة فى كسر التقاليد القديمة والانطلاق نحو مستقبل أكثر حرية وعدالة وسعادة يعتمد الفكر النسائى الجديد، ضمن أفكار أخرى مهمة، على الربط بين التنمية الاقتصادية بجميع نواحى الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية فى الدولة والعائلة، وتحرير مفهوم التنمية من الاستغلال الطبقى الأبوي، الذى يهتم بأرباح وكماليات الطبقة الثرية (1%) ويهمل الحاجات الضرورية لأغلبية الشعب, 99% وكشف الأسباب الحقيقية لفشل مشاريع التنمية، وعدم إرجاعها فقط للزيادة السكانية، لأن الإنسان، فى ظل التنمية الحقيقية، نعمة وليس نقمة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع