الأقباط متحدون - رسالة إلى «بشرى» من الجميل أحمد رزة
  • ٠٧:٠٦
  • الخميس , ٢٧ ديسمبر ٢٠١٨
English version

رسالة إلى «بشرى» من الجميل أحمد رزة

مقالات مختارة | خالد منتصر

٣٢: ٠٦ ص +02:00 EET

الخميس ٢٧ ديسمبر ٢٠١٨

بشرى
بشرى

أحمل للفنانة بشرى تقديراً وإعزازاً خاصاً، لأنها ابنة مناضل حقيقى ومثقف بجد، الرائع الراحل أحمد عبدالله رزة، لذلك كانت صدمتى كبيرة حين شاهدت هذا الكليب المتواضع الباهت الذى ينتمى للردح الغنائى والتلسين الفنى والتنبيط الموسيقى أكثر من انتمائه إلى الإبداع الحقيقى، بالطبع لا أطلب من «بشرى» أن تخرج فى مظاهرات أو تخالط الغلابة فى الأحياء الشعبية كما كان يفعل والدها العظيم، الذى اختطفه الموت وهو فى السادسة والخمسين من عمره، لكن أطلب منها أن تكون حياته نبراساً ودليلاً وهادياً لها، تستوعب دلالات ورسائل تلك الحياة، لا أنتظر منها أن تكون «فوتوكوبى»، وليس مطلوباً منها ذلك، ولو كان والدها حياً لرفض أن تكون مجرد نسخة منه، فهو كان عاشقاً للحرية، لكن كنت أنتظر منها فناً يصب فى نفس الاتجاه التنويرى الإبداعى الذى كان يحارب من أجله الأب، لا أتصور أنه كان سيرضى عن كليب عنصرى يحتقر اللون الأسود، يغنى لقضية تافهة، ويغازل مشاعر وعظ سلفية عن القبر والكفن.... إلخ فى باكيدج ردىء لا يتناسب مع طموح فنانة مثقفة تحمل اسم أحمد عبدالله رزة، هذا الرجل لمن لا يعرفه شكّل وجدان وعقل جيلى، الذى كان يتحسّس خطواته الأولى فى الجامعة، ويسمع عن خريج سياسة واقتصاد خطيب الجامعة المفوه أحمد عبدالله الذى انتزع شهادته من بين أنياب أسد كمبردج، عرفناه من خلال قصيدة أحمد فؤاد نجم وغناء الشيخ إمام، عندما كنا نهتف معه ونحن صغار للمحبوسين «أنا شُفت شباب الجامعة الزين أحمد وبهاء والكردى وزين».. عرفنا بعدها أن أحمد هو أحمد عبدالله رزة، الذى كان اسمه عند الرئيس السادات «الطالب المشاغب أبوكوفية حمرا»، مرجع الحركة الطلابية فى مصر من خلال كتابه الفريد عن الطلبة والسياسة.

تعريف المثقف العضوى الملتحم بالناس الذى لا تنفصل تفاصيل حياته عن مفردات فكره، ينطبق على ندرة من النخبة المصرية على رأسها هذا الرجل العظيم، فقد أسس مركز الجيل للدراسات بقروشه القليلة، لم يختَر حى الزمالك أو جاردن سيتى، وإنما اختار حى عين الصيرة.

حارب ضد عمالة الأطفال وقهرهم وسوق النخاسة فى أرواحهم وسرقة عرقهم والسمسرة فيهم.

كتب عن معاناة أطفال المدابغ، لم يكن مجرد متعاطف معهم.

بل صاحب قضية حقيقية.

لا أطلب من الفنان أن يكون جيفارا، ولا أريده انتحارياً، ولا أراجعه فى حقه فى أن يكون ثرياً، ولا أرفض بحثه عن النجومية أو الشهرة أو التريند، هذا من حق الفنان تماماً، لكنه لا بد أن يدرك مسئوليته تماماً فى مجتمع مغيب كاد يفقد عقله، أنا لست ضد البهجة والسعادة والنغم الراقص، لكننى ضد أن تتحول أدوات الفن لـ«مطاوى قرن غزال» لفظية وسنج لحنية، أنا حزين فعلاً على أن تتحول تلك الفنانة الرقيقة الجميلة المثقفة إلى مخلب فى معركة وهمية مفتعلة، الفرق بين الأب والابنة فرق توقيت ثقافى، زمن نجم والشيخ إمام وزمن حموبيكا، أربأ بالفنانة بشرى أن تكون جملة لا محل لها من الإعراب فى مجلد مطربى المهرجانات، لقد لمست إشرافها على مهرجان الجونة وحرصها على أن يخرج بشكل فنى جميل وراقٍ، وتأكدت أن هناك ذوقاً إبداعياً رفيعاً يشكل وجدانها، كنت أنتظر من بشرى أحمد عبدالله رزة ما يذكرنى بروح هذا الفارس النبيل الذى هو حتماً يطل علينا الآن، وفى عينيه غلالة من دمع الشجن.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع