الأقباط متحدون - تفاؤلٌ بالخير... ربما نجده
  • ١٢:١٩
  • الثلاثاء , ٢٥ ديسمبر ٢٠١٨
English version

تفاؤلٌ بالخير... ربما نجده

مقالات مختارة | فـــؤاد مطـــر

٤٣: ٠١ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٨

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

مع ساعات العد العكسي للعام الآتي بعدما أدخلت أشجار الزينة، حفاوةً بميلاد السيد المسيح عليه السلام، لحظات فرح في النفوس، تنوعت أحوال الناس في الأمة بين أطياف تبادلت الهدايا وأطياف تكابد أقسى حالات العيش. وأما أكثرية الناس في دول الأمة من مشارقها إلى مغاربها مروراً بخليجياتها فإنها صابرة على الحاضر وخائفة من المجهول. وهذا يعود إلى أن أهل الحُكْم في بعض هذه الدول لا يديرون أمور البلاد ويعالجون أحوال العباد بما من شأنه إدخال الطمأنينة إلى النفوس. وهذا الذي حصل في فرنسا واستنسخه إخواننا السودانيون ويشق الاستنساخ طريقه إلى مجتمعات أُخرى يؤكد مسألة مفاعيل الإدارة التي نشير إليها.

وفي مناسبة نهاية العام واستقبال العام الجديد يكثر مفسرو الأبراج والمنجمون بالغيب. كذلك يوجه مسؤولون في البعض من الدول العربية كلمات للمناسبة تأتي مفرداتها عموماً تطالب الناس بالصبر وإغلاق نوافذ اليأس من حياتهم وإبقاء الأبواب مفتوحة أمام نسائم التفاؤل. ولكنّ ذلك يبقى عموماً مجرد كلام وليس علاجاً.

وبالنسبة إلى كاتب مثل حالي يواكب منذ خمسين سنة أزمات وصراعات وحروباً وبمعدل أزمة كل سنتيْن وحرباً كل عشر سنين، يحدث ذلك في الجناح المشرقي من الأمة وفي جناحها المغاربي مروراً بالأزمة التي باغتت منطقة الخليج... إنه بالنسبة إلى كاتب مثل حالي يواكب هذا الذي جرى ماضياً ويتواصل حاضراً يجد نفسه وهو يودِّع آخر أيام العام الأعصف في حياة أمتنا يسجل ما يتمناه وفي اعتقاده أن سائر أبناء الأمة التي هي خير أمة أُخرجت للناس يشاركونه تمنياته.

أتمنى أن نشهد في عام 2019 إنزال الستارة على مسرحية العبث في بعض دول الأمة عند تشكيل الحكومات. فهذا الذي يعيشه العراق ولبنان خارج الأصول. وهما وحيدان في مسألة التشكيل.

وفي الإطار نفسه أتمنى أن يكون هنالك احترام من جانب أهل العمل السياسي والحزبي للمرجعيات الروحية والأخذ بما تدعو إليه، فليس مستحباً ألا يؤخذ بوقفة هذه المرجعيات، وتحديداً السيستاني في العراق والراعي ودريان في لبنان، تدعو مرة وثانية وعدة مرات رموز العمل السياسي والحزبي إلى نبذ هذه الشراهة في نفوسهم وانشغالهم بالتكاذب وباقتسام المغانم، وكأنما الحكومة طريدة، ولا يكون هنالك إصغاء لذلك والاقتداء بسائر الحكومات في الدول المنضبطة من أجْل تيسير أمور البلاد. وأما إذا كان لا بد من الصراع السياسي فليكن في البرلمان، أي بما معناه تحييد العمل الحكومي عن النشاط البرلماني.

وأتمنى أن نشهد في عام 2019 ما افتقدناه في مرجعيات سياسية وحزبية، وهو تقديم الولاء للوطن على الولاء لإرادات خارجية، وبإعادة النظر هذه تكتسب احترام الناس لها وثقتهم بها. ومن شأن مساءلة إيمانية للنفس حول الذي جرى فإن إعادة نظر متدرجة في المواقف ستحدُث بطبيعة الحال.

وأتمنى حدوث صحوة فلسطينية تتسم ببعض التضحية وإعادة النظر في موضوع الانقسام، إذ كيف يطلب أبناء القضية من المجتمع الدولي الوقوف إلى جانبهم والعمل على إحقاق حقهم المشروع في أن تكون لهم دولة بينما المسؤولون في حالة صراع دائم على الدولة التي لم تقم بعد.

والتمني موصول إلى إدارة الرئيس ترمب التي تفاجئنا بين الحين والآخر بأفكار وقرارات تعيد مساعي الحل الموضوعي وفْق مبادرة السلام العربية إلى المربع الأول، بعدما يكون السعي من أجْل الحل العادل قطع أشواطاً. وهذا الذي فعله في موضوع القدس الغربية ونقْل مقر السفارة الأميركية في إسرائيل إليها يوضح ما نقوله. ولَكَم تمنينا لو أن الرئيس ترمب بدل ذلك أعلن عن اختيار قطعة أرض في القدس الشرقية ليُبنى عليها مستقبلاً مبنى السفارة الأميركية... إنما في الدولة الفلسطينية.

في الإطار نفسه نتمنى تجميداً أو تعليقاً للخطوة التي اتخذتْها أستراليا، الدولة الأكثر بعداً جغرافياً عن المنطقة، وتقضي بحذو حذو الولايات المتحدة نقْل سفارتها إلى القدس الغربية. وما نتمناه من أستراليا نتمناه من الدولة الأُخرى الأكثر بُعداً، البرازيل، التي أخذ صهر ترمب على عاتقه أمر إقناع رئيسها بولسو نارو، الترمبيّ الهوى، بتنفيذ الخطوة، ومن رئيس دولة تشاد إدريس ديبي الذي احترنا في أمر هرولته يوم الأحد 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 إلى إسرائيل بعد قطيعة دبلوماسية دامت 46 سنة، ورغبته في علاقة أُسرية، حيث اقترح أن يكون ابنه العزيز سفيراً لدولة تشاد لدى إسرائيل، وكذلك تبرعه بالإعلان من جانبه عن خطوة تطبيع يمكن إقناع «السودان الإنقاذي» بالإقدام عليها، كأنما لا تكفي الرئيس عمر البشير همومه الداخلية والتي كان كلام الرئيس التشادي فأل سوء على أحوال الداخل وما يعيشه السودان من اضطرابات ليست جديدة عليه ولكنها من النوع الذي لا يُستهان بتداعياتها.

وفي الإطار نفسه أتمنى أن يلقى التنفيذ ما نُسب إلى بنيامين نتنياهو من أنه صرح في عُمان أواخر نوفمبر 2018 استعداده للتخلي عن بعض الأراضي الفلسطينية، ذلك أنه لو فعل ذلك لتبييض صفحته خصوصاً في ضوء «الحراك الجنرالي» الجديد من نوعه والمباغت له والذي يطرح فيه مئات من الجنرالات العسكريين والموساديين السابقين نظرة إيجابية وإن تأخروا كثيراً «مبادرة السلام العربية»، فإنه سيكون هنالك نوع من الإصغاء العربي والإسلامي «صفقة القرن» التي من المحتمل أن تكون «هدية ترمب» للمنطقة في العام الذي نستقبله فجر يوم الاثنين المقبل. وهنا يصبح التفاؤل مشوباً بالحذر في ضوء ما فعله الرئيس ترمب بالأكراد الذين خذلهم في كردستان وطَعنَهم في سوريا. وإلى أن يحين طرْح الرئيس ترمب «هديته» التي نشير إليها نتمنى على صاحبها ضبْط تصريحات سفيرته حالياً لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي والمنصرفة بعد فترة، فلا تكرر في معرض التبشير بطرح الصفقة مقولتها يوم الثلاثاء 18 ديسمبر (كانون الأول) 2018: «إن الصفقة جاهزة للعرض قريباً ولن يستطيع أيٌّ من الفلسطينيين والإسرائيليين وكل دول المنطقة تعديل أي جزء منها».

وأما الأهم في التمنيات فهو أن تبدأ الحكومات العربية الاهتمام باختزال طبقة الأثرياء في المجتمع وتقليل نسبة طبقة الفقراء والمحتاجين، وبذلك تُستعاد بالتدرج الطبقة المتوسطة التي يشكّل وجودها في أي مجتمع عربي ضمانة للاستقرار. وهذه الطبقة تنحسر سنة بعد سنة، ومع كل حقبة انحسار أزمات معيشية وحالات مأساوية. أليست واقعة ذلك المواطن المصري الذي قرأْنا تفاصيلها في صحيفة «أخبار اليوم» عدد السبت 8 ديسمبر 2018 تفي بما نتمناه. وخلاصة الواقعة أن مواطناً وصلت به الحال إلى العجز عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات العيش فاصطحب طفليْه وطفلته إلى أحد كباري نهر النيل في القاهرة ورماهم واحداً تلو الآخر ثم ألحق نفسه بهم ليقضي الأربعة.

تلك بعض التمنيات، ذلك أن أحوالنا سياسياً ومعيشياً تستوجب أحد خياريْن: إما التمني على قاعدة التفاؤل بالخير نجده. وإما على القاعدة التي أفتى بها الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه نستحضرها مع بعض التعديل بحيث تصبح: عجبتُ لامرئ يعيش حالة من العوز والحرمان فيما القيّمون على أمور إدارة الدولة هم في أحسن حال وهم إما فاسدون وإما مفسدون، كيف لا يقتني سترات صفراء له ولأفراد عائلته يحتاجون إليها للتعبير عن ظروفهم المعيشية السيئة ويخرجون على الغافلين عنهم شاهرين نار الغضب، وعلى نحو ما حدث في السودان وعلى أهبة الحدوث في لبنان الذي يمتلئ الكثير من صفحات جرائده المتبقية بأخبار الإفلاسات والاستحقاقات والتحذير من إفلاسات على الطريق إلى جانب مواقف الخيبات على أنواعها... ثم إلى حيث لا رادّ لحدوث التعبير عنفاً إذا كان المسؤولون في بعض دول الأمة عن واقع الحال ساهين.

عسى ولعل تُنال التمنيات... وبمنأى عن الحل الغلابي.
نقلا عن الشرق الأوسط

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع