الأقباط متحدون - هل المياه سلعة أم خدمة؟!
  • ١٢:٠٠
  • الأحد , ٢٣ ديسمبر ٢٠١٨
English version

هل المياه سلعة أم خدمة؟!

د. نادر نور الدين

مساحة رأي | نادر نور الدين

٥٧: ٠٤ م +02:00 EET

الأحد ٢٣ ديسمبر ٢٠١٨

نادر نور الدين
نادر نور الدين

نادر نور الدين

يتبنى البنك الدولى منذ أكثر من عقدين شعار أن الماء سلعة تباع وتشترى، وأنها ليست خدمة تقدم مجانا، وأنها رأس مال يجلب الربح ينبغى تنميته والحرص عليه، وأن الماء ليس كالهواء تنهل منه دوما دون معاناة ولكنه مورد ثمين وكثيرا ما يكون مكلفا نشقى من أجل اكتشافه والحصول عليه، ولهذا ينبغى أن يدفع الجميع ثمن ما يستهلكه منه.

ويطرح البنك فكرة أن المزارع على وجه الخصوص إذا ما سدد ثمنا لما يستهلكه من المياه فسيحرص عليها، ويقلل من إهدارها، بتطويره لطرق الرى ويعرف قيمة الماء كمصدر لرزقه، وأنه بدون المياه فلا زراعة ولا رزق.

حدد البنك سعر المياه العذبة بما يوازى أقل تكلفة لتحلية مياه البحر، وبدأت أمريكا كدولة رأسمالية فى تطبيق هذا الأمر، ولكن سرعان ما دخلت بعض الدول النامية فى الأمر مثل الأردن وباكستان، وبدأ زمن تسعير المياه للمزارعين وانتهاء زمن المجانية.

استغل هذا الأمر رئيس الوزراء التركى سليمان ديمريل فى تسعينات القرن الماضى، وأعلن أن من حق تركيا بيع المياه كما يبيع العرب البترول فكلاهما مورد طبيعى.

وبدأ بالفعل فى طرح مياه شلالات مانافجات التى تصب فى البحر المتوسط للبيع، وكاد أن يتم الأمر مع إسرائيل لولا الاختلاف على السعر.

المشكلة الكبرى التى لا يستطيع أحد اتباعها حاليا، ولكن لها صداها المستقبلى هى إعطاء البنك الدولى الحق لدول منابع الأنهار فى بيع فائض المياه دون المساس بحصص الدول المتفق عليها، وهو الذى سيغير كثيرا فى العالم، وقد تكون توصية البنك الدولى السبب الرئيسى فى اندلاع حروب المياه وقد عرف العالم هذا الاصطلاح لأول مرة عندما أطلقه الرئيس السادات. كانت توصية البنك الدولى مثارا للتساؤلات فى كل مؤتمرات المياه العالمية، وبعضها وصل إلى حد التندر بسؤال ممثلى البنك عن توقيت تسعير البنك للهواء كرأس مال لصحتنا وحياتنا؟! ولكن يأتى تضاد هذه التوصية مع مبادئ الأمم المتحدة هو الأهم الذى يمكن مناقشته لإلغاء هذه التوصية المتسرعة، مثل تأثير بيع المياه للمزارعين على أسعار المنتج الزراعى خاصة الغذاء فى الدول الفقيرة، والذى سيؤدى بالتأكيد إلى رفع أسعار الغذاء بما يتنافى مع مبدأ «الحق فى الطعام» وألا يكون الغذاء فى متناول المقتدرين فقط وحق الفقراء فى الحصول على الغذاء بأسعار مناسبة. الأمر الثانى ما هو موقف دول منابع الأنهار حين تبيع دول المصب المياه للمزارعين؟ فيكون من حقها مطالبة دول المصب بدفع قيمة ما يصل إليها من مياه مادام الأمر أصبح بيعا وشراء. حاول البنك الخروج من هذه الأزمة بتحويل أمر بيع المياه إلى أن الأسعار المتحصل عليها يمكن أن تكون ثمنا لشبكة توصيل المياه التى تقيمها الدول لإيصالها إلى المزارعين، وبذلك لا يحق لدول منابع الأنهار المطالبة بثمن المياه التى تصل إلى دول المصب، وهو ما يعتبر نوعا من الالتفاف حول القرار لا يليق بمنظمة أممية. ثم ماهو فضل دول المنابع فى كونها بداية للأنهار وماهو عيب دول المصب لكونها نهاية للأنهار فلا أحد يختار موقعه عند خلق العالم!، وهذا الأمر من شأنه أن يجعل من أنهار دول المنابع أنهارا خاصة تمتلكها هذه الدول، وليست أنهارا دولية أو عابرة للحدود أو مشتركة، كما ينص قانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار العالمية.

المشكلة يمكن أن تنتقل أيضا إلى المياه الجوفية، والتى تتصل ببعضها عبر الحدود، والتى لها أيضا منابع ومصبات على الرغم من كونها مياها مكلفة تتطلب حفرا وطلمبات رفع ومصدرا للطاقة وغيرها، إلا أن مبدأ تسعير المياه لم يستثنها من السداد، وهل يكون السداد للدولة أم لدولة منبع تدفق هذه المياه؟! وهل سيكون حق بيع مياه الآبار للأنواع غير المتجددة فقط والتى تبدأ وتنتهى داخل نفس الدولة، وفى حال اعتبار المياه سلعة فهل سيطبق عليها مختلف أنواع الضرائب والتى تأتى على هوى بعض وزراء المالية فى الدول النامية؟!

أثناء أزمة الغذاء العالمية عام 2008 خرج علينا البنك الدولى بتوصية سببت أزمة عالمية حين وجه النصح للدول المنتجة للحبوب خاصة القمح والأرز بالحفاظ عليها وعدم تصديرها، ولولا تهديد القانونيين برفع قضايا على البنك الدولى بتهمة تعمد تجويع الجار ما سحب البنك توصيته، كما أنه غالبا ما يوصى الدول النامية بتطبيق برامج قاسية لرفع الدعم عن الطاقة والغذاء، دون اعتبار لقدرات البشر، وغالبا ما يغلفها بتوصيات هامشية لرعاية الفقراء المتضررين لا يمكن لدولة تلغى الدعم أن تطبقها من الأصل.

توصيات البنك الدولى ليست دوما صحيحة وينبغى مراجعتها واختيار ما يناسبنا منها.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع