الأقباط متحدون - ولما سقطت كلمة «لا» تبدَّل المعنى!
  • ١٠:٣٦
  • السبت , ١٥ ديسمبر ٢٠١٨
English version

ولما سقطت كلمة «لا» تبدَّل المعنى!

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٥٨: ٠٦ ص +02:00 EET

السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٨

مفيد فوزي
مفيد فوزي

-١-
ليس التربص من صفاتى ولكنى أملك أن أقول إن الانتباه إحدى سماتى الشخصية، الانتباه بمعنى الصحيان ولدىّ حاسة اكتشاف الخطأ، وبعض الأخطاء المهنية فى الصحافة قاتلة، وقد يذهب رئيس تحرير وراء الشمس بسبب «غفلة» مصحح أو مراجع!، وأستبعد التعمد فى الخطأ ولكنه «السهو» الذى يبدل المعنى تماماً لولا أن قارئ هذا الزمان بطبعه يضع نقطة تحت الياء ويضيف همزة على ألف ممدودة. إنه يقرأ بإحساس مراجع يقظ، ذلك أن الحروف يصفها الكمبيوتر وليس الحاج حسن مصفف الحروف بشكل يدوى، ومع دقة الكمبيوتر فإن له أخطاء فادحة حين يسهو فى النقط أو تسقط كلمة، فيتبدل المعنى المقصود ومن هنا كانت ظروف وملابسات هذا المقال!.

-٢-
السبت اللى فات كان لى مقال بعنوان «خصوصية مشاعر» رسمت بالكلمات صورة لنفسى من الداخل وقلما أفعل ذلك ولكنى قررت مصارحة الذات بالغربة فى عالم مختلف القيم ورغم ذلك مازلت مشتبكاً معه، فلست - مهما جرى قطار العمر - أنزوى فى مقاعد المتفرجين أراقب بأسلوب العجائز «اللقطة والسقطة». طبيعتى ترفض المشى جنب الحيط ومخالبى حاضرة وحين أسأل ولا أحد يرد أو أكتب ولا أحد يقرأ، أذهب إلى جزيرتى أى بيتى وأتأمل وأفهم وأدرك أن الحياة تمضى بى أو بغيرى لكنها لن تتوقف عن الجريان. كنت أريد أن أرسم صورة للغاضب الوطنى الذى يصرخ داخل بلده: انتبهوا.

انتبهوا: أولادنا بعد ثورتين مروا بتجارب حادة ومعرضون للمرض النفسى. انتبهوا: الموبايلات قسمتنا وزادت وحدتنا وانفرطت اللمة التى كانت. انتبهوا: حملات ضبط النمو السكانى لا تصل إلى من يجب أن تصل إليهم، هناك خطأ فى الاتصال. لا شىء أريده غير وصول صوتى إلى مستحقيه.

فإذا كان صدى الصوت عند الدولة باهتاً أواصل الكتابة مرات وأبذل جهداً إضافياً، أهكذا علمنى أحمد بهاء الدين كيف أستعد بمعلومات وأرقام ومتخصصين. فإذا لم يلتفت أحد فأنا ألتزم الصمت. إنه شعور بشرى. إنها خصوصية مشاعر لكاتب بينه وبين قارئه مساحة من الصراحة والاعتراف.

-٣-
والكاتب يكتب للناس ويهمه الرأى العام ولكن الحوار المجتمعى إن كان ضرورياً كان هذا فى سلطة الحكومة والوزراء - ولست ممن يتباهى بأن فى مفكرته أرقام تليفونات الوزراء وبعض الجهات السيادية. وعلاقتى بأصحاب المعالى محدودة على طلب اللقاءات الحوارية. ولا تربطنى بأصحاب المعالى أدنى علاقة خارج السياق الصحفى، بل ربما تزداد درجة العلاقة بعد أن يخرج معاليه من الحكومة لأى سبب معلن أو غير معلن. ومنذ زمن عبدالناصر وحتى الآن رأيت حكومات دخلها وزراء وخرج منها وزراء ولم أسأل الأسباب، ذلك أنى أدركت مبكراً «حسابات القيادة السياسية».

وفى بدء حياتى الصحفية اقتربت من أستاذ التحقيق الصحفى الراحل صلاح هلال وتزاملنا فى رحلة صحفية فى السودان، كان قد أرسلنى رجاء العزبى مندوباً من مجلة الإذاعة. وفى هذه الرحلة رقص صلاح سالم رقصة الدنكا الشهيرة. وكنت أرى صلاح هلال دائماً فى معية عضو مجلس الثورة صلاح سالم. وبات معروفاً أن صلاح هلال محسوب على صلاح سالم. ولما كان من طبيعة الثورات عدم الاستقرار، فقد علمنا أن جمال عبدالناصر ترك رسالة لصلاح سالم المشرف على جريدة الشعب وتوابعها وكانت الرسالة من كلمتين «أشكرك وأعفيك». وخرج صلاح سالم وصار صلاح هلال حائراً، يدفع ثمن إيمانه بصلاح سالم حتى سافر الإمارات وقد التقيت به هناك ونصحنى ألا أكون محسوباً على أحد!.

-٤-
فى مقال السبت «خصوصية مشاعر» قلت: «أنا لا أسعى إلى أحد وإذا تصادف وجودى فى مكان يضم وزراء ومسؤولين فأنا لا أطلب التواصل، أى الرقم الخاص للاتصال بهم.....» ولكن المصحح أو المراجع أو الكمبيوتر أسقط كلمة «لا».. فظهر للقارئ: فأنا أطلب التواصل، أى الرقم الخاص بهم، وهذا لم يحدث لا بالأمس ولا اليوم ولا غداً، ثم أكتب «تعلمت منذ زمن البعد عن السلطة خشية نارها»، فبدوت كما لو كنت أناقض نفسى!!، كيف أطلب التواصل وفى نفس الوقت أمارس البعد عن السلطة، غير أن القارئ اللبيب سيفطن إلى الخطأ الذى نتج عن عدم المتابعة والقراءة المتأنية وتعودنا أن نسميها «غلطة مطبعية» علماً بأن هذه الأخطاء لو كانت فى أخبار أو أحاديث رئاسية فإن زلزالاً يحدث بعد قليل لا أحد يعلم مداه، ولكن مثلنا من عباد الله يبلعون الخطأ ويصمتون أو يشرحون القصة فى مقال!.

-٥-
لا أدرى سر السربعة التى تصيب هؤلاء المصححين أو المراجعين، فأنا عشت سكرتارية تحرير هيكل بقيادة هشام بحرى وعشت سكرتارية إحسان عبدالقدوس بقيادة عبدالغنى أبوالعينين أيامها لم يكن هناك موبايل ولا كمبيوتر يصف الحروف، كانت الأيدى تصف وكانت الدقة تحكم العمل وكانت المراجعة ضرورية وكان المصحح لا يهتم بإعراب اللغة ولكن بسياق الكلام، وبعض الكتاب يذهبون للمطبعة ويراجعون مقالاتهم بأنفسهم، أتذكر مثلا الدكتور ميلاد حنا: فهل أصابتنا التكنولوجيا باللعنة وأمراضها؟.

-٦-
سقطت كلمة «لا» فتبدَّل المعنى، وكان لابد من الإيضاح.. وعشمى الدقة، فالمهنية هى المتابعة والمراجعة لسياق فكر الكاتب وحمايته من التشويه!.

ملحوظة: أعتذر عن إغضابى للمسؤول عن الخطأ والتشهير الأنيق به.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع